أخبار عاجلة

تدمير التعليم الرسمي: السلطة والعمل السياسي-النقابي

من حراك الأساتذة            (أرشيف – بوابة التربية)

بوابة التربية: كتب د. *يوسف كلوت

أنجزت القوى الحكومية النيابية تدمير التعليم الرسمي، بعد أن استتبعت بالكامل قرار أطره النقابية ومواقعه الإدارية في وزراة التربية والثانويات والمؤسسات التربوية ذات الصلة. وبالموازاة عززت هذه القوى مؤسساتها التربوية الحزبية الطائفية الخاصة. فعدم تأمين مستلزمات عمل المؤسسات التربوية الرسمية (القدرة الشرائية للرواتب، كلفة الطبابة، كلفة النقل للأساتذة والطلاب، المستلزمات اللوجستية لعمل المدارس والجامعة اللبنانية،…) على اختلاف مراحلها، ليس لعدم قدرة خزينة الدولة على ذلك، وهي قادرة في هذا المجال، إنما هو تتويج لمسار تدميري سلكته هذه القوى المتسلطة منذ زمن، وهو مسار يتلاقى الآن مع شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ونقطة التقاطع بين هذه القوى السلطوية المتسلطة وشروط المؤسسات المالية الدولية المذكورة هي تذرير الناس ومنعهم من الترقي العلمي والإجتماعي المجاني لإضعاف قدرتهم على المواجهة الآنية والمستقبلية والإمساك بمصائرهم ومصائر مجتمعاتها ودولهم. ووجه الاستفادة من ذلك لكلا الطرفين يكمن في زيادة التحكم بالمجتمعات وتأبيده. فأطراف السلطة المحلية- الإقليمية (على الضفتين الآذاريتين) التي تسعى، تحت مظلة “فيينا”، لتأمين شروط وكالة جديدة من المجتمع الدولي عبر الانصياع لشروط ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وهما الأداة المالية النقدية للهيمنة الأميركية الغربية، تستفيد على خلفية “حزبية طائفية فدرالية” في إعادة إنتاج بنيتها الأيديولوجية التحكمية بمجتمعاتها الأهلية برهن ترقي أبناء العائلات والأسر بأعطياتها ومؤسساتها والولاء لها.

تترافق هذه اللحظة التدميرية للتعليم الرسمي الآن مع إنتخابات الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، حيث هناك في المواجهة قوى السلطة التدميرية من جهة وقوى التغير النقابية المعارضة من جهة ثانية.

أما قوى السلطة التي لا تمتلك نقابيين بل منتدبين لتعطيل العمل النقابي وشل دينامية الأساتذة في مهدها، لمنع الضغط عليها، أنجزت مهمتها التدميرية وتحاول الآن استعادة السيطرة على القرار النقابي لترميد ما تبقى. فهم لم يُخطئوا إنما نجحوا بتنفيذ المشروع التدميري المذكور، وسيستمرون بتنفيذه بالنفاق والدلس والتعسف في حال استعادوا السيطرة مجدداً. فقد وضعوا الرابطة في مواجهة الأساتذة بحيث أصبح الأساتذة، وعلى مدار سنوات عديدة، يخافون قرارات الهيئة الإدارية لرابطتهم أكثر من القرارت الحكومية النيابية. دمروا أصول العمل النقابي، وقبلوا في قانون السلسلة (٢٠١٧/٤٦) بضرب الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي والحصانة الوظيفية، وبفتح الطريق لضرب التقديمات الإجتماعية الصحية التربوية التي أضحت الآن في خبر كان.

وأما قوى التغيير النقابية المعارضة فتتشكل من نقابيين غير مرتبطين بأجندات سياسية معارضة أو موالية وهم “لقاء النقابيين الثانويين” ونقابيين منفردين، ومن أحزاب يسارية ( الحزب  الشيوعي – التيار النقابي المستقل) وإسلامية (الجماعة الاسلامية) تشوب معارضتها التباسات علاقة ما مع قوى السلطة على الضفتين الآذاريتين، ومن أساتذة منضوين تحت تسمية “لجان الاقضية” ممثلهم على علاقة ما من جهة بحزب من أحزاب السلطة ومن جهة أخرى بالحزب الشيوعي، ومن بعض الأساتذة تحت عناوين شتى منبثقة من “منظمات المجتمع المدني” على علاقة ما بالحزب الشيوعي.

هذا مع الإشارة إلى أن “لقاء النقابيين الثانويين” الذي كنت ( أنا كاتب المقال) عضواً مؤسساً فيه، ليس إطاراً تنظيمياً، بل مجموعة من النقابيين المستقلين المعارضين على مساحة الوطن، وليس لديه إلا أجندة نقابية تربوية إقتصادية إجتماعية تتصل بمصلحة الأساتذة والتعليم الثانوي الرسمي فقط، ويرفض ارتباط العمل النقابي بأي أجندة سياسية حزبية جهازية مذهبية سواء أكانت سلطوية أو معارضة، ويرفض المحاصصة النقابية وذهنية الاستئثار من أي جهة أتت، ويتبنى برنامجاً نقابياً في سياق ذلك، ولم يطرح يوماً سوى نقابيين مستقلين مشهود لهم بالنشاطية والحضور والرؤية والمواقف والصلابة وعدم الرضوخ، بصرف النظر عن كافة الإنتماءات.

وفي مفاوضات تشكيل لائحة نقابية تغييرية معارضة بين المكونات المذكورة تبين أن المنطق الذي يحكم عقل وتفكير الجميع، باستثناء لقاء النقابيين الثانويين والنقابيين المنفردين، هو منطق الإستئثار الجهازي والمحاصصة الحزبية والطائفية والمذهبية والمناطقية على طريقة أحزاب السلطة الحكومية النيابية، وبالموازاة تشاطر وتذاكي وألاعيب لفرضه، ونحن في لقاء النقابيين الثانويين والنقابيين المنفردين لم نقبل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تفاجأنا كثيراً، ورفضنا هذا المنطق، حين طرح ممثل “الحزب الشيوعي-التيار النقابي المستقل” الأستاذ المتقاعد جورج سعادة بالتناغم مع ممثل لجان الاقضية أنه وبحجة دواعي التوازن الطائفي! لا بد، أولاً وقبل أي شيء، من تثبيت ٦ أعضاء مسيحيين كلهم تقريباً من محافظة جبل لبنان في اللائحة المعارضة ومن ثم التفاوض على بقية الأسماء! أما الجماعة الإسلامية فقد كان المنطق الضمني لممثليها هو أننا نحن فقط من نثبِّت المرشحين السُنَّة وفي كافة مناطق تواجدنا، ولتغطية ذلك طرحوا أنه لا بد من تقليص عدد الأعضاء السُنَّة الذي أصبح ٨ أو ٩ أعضاء، واكتشفنا أن هذا الطرح كان لاستبعاد النقابيين السُنة من خارج الإنتماء لهم أو العلاقة بهم. وكان ممثل لجان الأقضية متناغماً معهم بنسبة ٩٥ ٪ حتى لا أقول اكثر، وكذلك الأساتذة الحاضرين تحت عناوين مجموعات لها صلة بمنظمات المجتمع المدني والحزب الشيوعي.

إضافة إلى ذلك فقد شعرنا أن هناك “لينك” من تحت الطاولة مع أطراف من قوى السلطة المتصارعة فيما بينها، وذلك بناء على معطيات فعلية منها طرح أسماء تنتمي إلى أطراف من السلطة بعنوان أنهم نقابيون وفرضهم تحت ستار المناطقية، وقاعدة هذا  الـ “لينك” كما يبدو تبادل الأصوات مع قوى سلطوية وسرقة أصواتنا كنقابيين غير مرتبطين بالسياسة ومن ثم تشطيبنا، ولاحقاً اذا تم لهم الفوز بعد الإنتخابات يشكلون الهيئة الإدارية بهجين سلطوي- معارض، وتبرير ذلك للأساتذة أن المفاضلة بين السيء والأسوأ من أطراف السلطة المتصارعة أجبرهم على ذاك.

أمام هذا الواقع أرى، وإنسجاماً مع الشفافية التي لطالما عهدها مني الزملاء والزميلات في التعليم الثانوي الرسمي، أنني ملزماً بمصارحتهم بأن الاستحواذ على القرار النقابي من قبل أحزاب تتعنون بالمعارضة يؤدي إلى النتيجة ذاتها التي أدى إليها المنطق الذي تصرفت وفقَه قوى السلطة، وهي وقوع العمل النقابي أسيراً بين أجندات وأيديوجيات متصارعة تحت عناوين المعارضة والموالاة والطائفية وإلى آخر السمفونية الممجوجة. ويجب عدم الخضوع لذلك تحت ضغط كلمات من قبيل “ضرورة الوحدة” و “وحدة المعارضة مقدسة” وو… إلخ. وبالتالي أقول أنه لا ضمانة لفاعلية العمل النقابي المعارض في التعليم الثانوي الرسمي سوى تشكيل لائحة من نقابيين معارضين فعليين مشهود لهم وغير مرتبطين حزبياً ولا يعود قرارهم النقابي النهائي لأي حزب، وهم كُثُر على مساحة الوطن. وذلك بعد الاتفاق على برنامج نقابي قاعدته مواجهة سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التدميرية تجاه الوظيفة العامة عموما وتجاه التربية والتعليم خصوصاً، التي تنفذها القوى الحكومية النيابية مع نكهة المحاصصة الحزبية- الطائفية والفساد والإفساد المعروفة، وهي خلطة تشاركية دولية إقليمية محلية أدت بعد ضرب الكيان والدولة إلى تلاشي الوظيفة العامة ومؤسساتها وموظفيها، وفي طي ذلك تهشيم الخدمة العامة وفي طليعتها التعليم الرسمي.

نعم يمكن للأحزاب المذكورة في إطار مفاوضات تشكيل لائحة معارضة، إذا كانت فعلاً تريد التغيير في العمل النقابي، أن تدعم المنطق النقابي المذكور وتعتبر أنه يمثلها، وفي أقصى الحالات لا ضير في أن يكون لكل منها نقابي فعلي يمثلها في اللائحة.

بناء على ما تقدم، ولأن المنطق ذاته الذي ذكرته ما زال مستمراً في مفاوضات التشكيل، أعلن ممثلاً نفسي، وبعد مراجعة كل ما جري في الأسبوعين المنصرمين، إنسحابي من المفاوضات الدائرة الآن لتشكيل لائحة معارضة، شاداً على أيدي أحبائي وإخوتي في لقاء النقابيين الثانويين والنقابيين المنفردين متمنياً لهم التوفيق. وكذلك فإنني مستعد للمساهمة مجدداً في حال تم حسم الخيار باتجاه تشكيل لائحة نقابية معارضة من نقابيين فقط، نقابيون مشهود لهم بالرؤية والمواقف الحاسمة وعدم الرضوخ للتهديدات والإغراءات وعدم ارتباط قرارهم النهائي بأي تشكيل حزبي.

* يوسف كلوت:

– أستاذ في ملاك التعليم الثانوي الرسمي.

– مندوب سابق في الرابطة.

– عضو مؤسس في “لقاء النقابيين الثانويين”.

– حامل شهادة دكتوراه في علم الاجتماع.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

متعاقدو الأساسي شكروا الحلبي على إحتواء أزمة الإمتحانات

بوابة التربية: توجّهت لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسيّ الرّسميّ في لبنان بالتّحية والشّكر لمعالي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *