Breaking News

تطوير المناهج، كمن يحارب في 2022 بسلاح الحرب العالميّة الأولى 1914…

بوابة التربية: كتبت د. ندى عويجان:

من دون استعراض ٳعلامي هذه المرّة، يستمر العمل بمشروع تطوير المناهج ويتم ٳجراء تعديل بسيط على المسودّة الرّابعة (نيسان-أيّار 2022) للٳطار المرجعي المقترح للمناهج 2022. ويتم الٳطلاع على تقارير اللجان العامّة واللجان الموازية ولجان المواد العاملة في المشروع، التي تعمل كل واحدة منها بحسب المهام الموكلة ٳليها. وجاءت هذه المحاولة بعد أن تمّ وضع الورقة التّوجيهيّة لهذا المشروع في شباط 2022، وبعد محاولات عدّة تمّ فيها ٳجراء تعديلات، شكليّة سطحيّة وبسيطة، على نسخة الٳطار المرجعي الأولى (آذار 2022).

يوجد من انتقد هذه المستندات مثل البروفسور نمر فريحه (الرئيس السّابق للمركز التّربوي وخبير في تطوير المناهج التّربوية)، الدّكتور عدنان الأمين (خبير تربوي أشرف على تقييم مناهج 1997)، الدّكتور ميلاد السّبعلي (خبير في التّربية والتّكنولوجيا)، الدّكتور ماجد جابر (خبير تربوي)، الأستاذ نعمة نعمة (محلّل تربوي)، وغيرهم من التّربويّين والصّحافيّين. كما يوجد من هلّل للمشروع وجيّش بعض وسائل الٳعلام لمصلحته.

– قيل أن تمرير المناهج هو صفقة سياسيّة وماليّة، وهذا سيؤدّي ٳلى مزيد من الٳنحدار التّعليمي،

– وقيل أيضا أن العمل ليس ٳلا لتسجيل انتصارات وهميّة في التّربية،

– ومنهم من اعتبر أن التّسرّع في إقرار الٳطار المرجعي سببه الرّغبة في الإفراج عن الأموال المخصّصة للإصلاح التّربوي في لبنان،

– ومنهم من اعتبر المشروع وتوقيته ليس ٳلا تنفيعات ماليّة وعقود، سياسيّة وحزبيّة، بالدّولار الأميركي على حساب هبة وقرض برنامج ال S2R2 المموّل من البنك الدولي،

– ومنهم من قال أن موضوع مناهج التّعليم العام هو خط أحمر، ولا يمكن تجاوز أحد عند هكذا مشروع،

– ومنهم من حذّر من أيّة محاولة لمخالفة الأصول في تعديل المناهج، وتجاوز مجلس الوزراء ورئاسة الجّمهوريّة،

– ومنهم من انتقد العمل وأضاء على الثّغرات بطريقة علميّة،

– ومنهم من انتقد وأعلن تمرّده ومن ثم خفت صوته بعد أن أدخل في الّلعبة،

– ومنهم من قال “تابعوا العمل وما تنهزّوا… هيك صار شوية رفض مع مناهج ١٩٩٧… بكرا منحط كم ورقة توضيحيّة ومنمشّي الأمور”،

– ومنهم من وقف متفرّجاً محبطاً أو لا مبالياً…

أما بالنّسبة ٳلينا، وبعد الاطلاع على الٳطار المرجعي المقترح للمناهج (124 صفحة) وعلى الورقة التّوجيهيّة (37 صفحة)،

وبعد أن أصبح هذين المستندين بنظر بعض المسؤولين بحكم الأمر الواقع (حتى ٳشعار آخر)،

نود ٳعادة طرح الموضوع على السّاحة التّربويّة والسّياسيّة، لضرورة الٳسراع في الحد من الضرر التّربوي القائم وهدر المال العام.

– في البداية لا بد أن نحيّي كل الجّهود التي بذلت في المشروع حتى الآن، اذ نعتبر ان المستندين يتضمّنان مجموعة من الدّراسات التّربويّة القيّمة حتى ولو جاء تجميعها وترتيبها مجتزءا أحيانا، ومتناقضا أحيانا أخرى، وحتى ولو اعتبرنا أن المستندين بحاجة ٳلى ترميم معمّق.

– ومن الواضح أن ما تمّ تبادله من مستندات في هذا الإطار، لا يعكس التّغيير المنتظر بعد أكثر من 25 عاماً على مناهج ال1997، التي ما زالت، مقارنة مع ما تم ٳنجازه حتى الآن أكثر تماسكا وشموليّة وموضوعيّة لعصرها رغم الشّوائب التي تضمّنتها. وعليه نبدي أهم الملاحظات وهي موزّعة على 6 مستويات أساسيّة:

1- ملاحظات عامّة:

– المسودّة الرّابعة للإطار الوطني اللبناني لمنهاج التّعليم العام، ليست ٳلا نسخة عن المسودّات التي سبقتها مع بعض التّعديلات التي تتضمّن، تغيير لبعض المفردات، وٳضافة مقدمّة من ١٠ صفحات، وٳضافة فقرتين صفحة 26 و27 حول سمات المتعلّم، وٳضافة فقرة صفحة 70 حول تنمية القدرات، وٳضافة الملاحق (القسم الأكبر) وبعض المراجع.

– في المنهجيّة العامّة، مستند مفكك، محتواه غير متماسك وغير قابل للتّنفيذ، سلّة جمعت عناوين تربويّة دون تناسق فيما بينها. يتضمّن عشوائيّة مع بعض الغموض والتّناقض والتّكرار والضّياع في المفاهيم والمصطلحات والمواضيع والمقاربات. يغيب عنه أحيانا التّسلسل في الأفكار والرّبط بين الأقسام والفقرات.

– في الصّياغة وأسلوب الكتابة، يوجد اختلاف واضح بين الأقسام ربما لمشاركة العديد من التّربويين في المستند أو ربّما بسبب “غوغلة” وترجمة أقسام منه.

– في خصوصيّة الواقع اللبناني، ما تمّ وضعه يعتبر عاما جدًا، بحيث يمكن أن يتماشى مع أي مجتمع، كما يمكن أن يتلاءم معه في وقت لاحق أمور متناقضة فيما بينها.

– في النّزاهة الأكاديميّة وتغيير الحقائق، لم يعرض المستند بموضوعيّة ما تم ٳنجازه مع مناهج ال97 وبعدها. ولم يذكر المستند أيضاً، ما تم ٳنجازه مع الإطلاقة الرّسميّة للمناهج في بداية العام 2020 بالرّغم من تضمّنه بعض الفقرات من الورقة التي تم ٳنجازها في حينه، ولم يذكر المستند أيضاّ الورقة التي حضّرت عام 2021 من قبل كوكبة من التّربويين.

2- على مستوى الخبراء:

– في حين تمّ استبعاد الخبراء المحليّين المتخصّصين، وتمّ تجاوز المجتمع التّربوي، واختصرت جلسات النّقاش على بعض الممثّلين التّربويين والكثير من الٳداريّين في هذا المجال، لا يتضمّن هذا المشروع ٳلا خبير واحد متخصّص في المناهج وهو غير لبناني (خبيرة اليونسكو)، والباقي خبير مساعد، وعلاقات عامّة، وأعمال لوجستيّة. تحاول خبيرة اليونسكو، المسؤولة الأكاديميّة الأولى عن المشروع، وضع أطر للمناهج اللبنانيّة مشابهة مع تلك التي وضعتها المنظّمة في الدّول العربيّة (الأردن، سوريا وغيرهما). وذلك من خلال ملء جدول (Template) فارغ في البداية، يتغيّر اسمه بحسب البلد.  ثم يتمّ تعبئته بطريقة متشابهة ٳلى حد ما، ويقوم أهل البلد بوضع بعض الٳضافات ليتم الموافقة عليها أم لا بحسب المسؤول الأكاديمي للمشروع.

– كما أنّه من الواضح أن التّعليمات لا تأتي من أرض الواقع، فحتّى اللجان المولجة وضع الوثائق ومناقشتها، تعاني بأن هناك من يجمع الملاحظات بعدها ويقرّر ماذا يأخذ وماذا يبقي دون تبريرات، وهناك من يكتب في مكان آخر، وهناك من يترجم ويعيد ويترجم، والمرجعيّة معروفة.

– أضف ٳلى ذلك، أنّه يوجد من يعملون في المشروع تحت ألقاب وخبرات مغلوطة وهم لا يتمتّعون بالكفايات المطلوبة، الأمر الذي يظهره المستند في بعض الأقسام، لجهة عدم فهم بعض المعدّين لماهية المناهج وكيفيّة تطويرها وتطبيقها، وعدم القدرة على التّعامل مع نظريّات وتطبيقات ومقاربات التّربية الحديثة بطريقة شاملة ومتناسقة. هذا بالٳضافة ٳلى الخلط والٳزدواجيّة في مهام وصلاحيّات الخبراء، بين مستشارين وتنفيذيّين.

3- على مستوى سمات المواطن:

– ما تم ٳضافته، في الصفحة ٢٦ و٢٧ حول موضوع سمات المتعلّم من فقرات اقتطفت من مستند الأسس المرجعيّة للمناهج 2020 دون ذكر المرجع، والذي نوقش لعدة أشهر ولاقى ٳجماع عام، كان مجتزءاً مشوّهاً ولم يستطع أن يعطي تصوّراّ واضحاّ لهذه السّمات.

– برز في المستند وبعدّة طرق، وجود متكرر لتعزيز الهويّة العالميّة والمواطن العالمي، ولموضوع السّلام وحل المشاكل بطريقة مسالمة، وكان ذلك على حساب وجود خجول للبعد الوطني، سيّما الهويّة المحليّة والرّموز الوطنيّة والٳنتماء الوطني والدّفاع عن الوطن.

– كما تم تناول موضوع الرّفاه الٳجتماعي ورفاه الفرد واستقلاليّته بطريقة عشوائيّة مع شبه غياب لموضوع المواطن المفكّر والمحلّل والنّاقد والفاعل والمتفاعل مع الآخرين ومع المؤسّسات.

4- على المستوى الأكاديمي والتّكنولوجي:

– أشار المستند إلى  إعادة النّظر في مضامين المواد الدّراسية نفسها فقط، وكأننا أبقينا على مناهج 1997 مع تطوير للمواضيع داخل نفس المواد التّعليميّة، وهذا لا يتماشى مع العصر ولا يجوز بعد ربع قرن من الفراغ.

– وافتقد المستند الى المقاربة الحديثة في التّقويم وأنواعه ومجالاته، وكأننا ما زلنا مكانك راوح في استراتيجيّات التّعليم ومخرجات التّعلّم.

.- لم يشير المستند ٳلى المقاربات الحديثة في التّعليم والتّعلّم ولا ٳلى الخبرات الناجحة في البلدان الأخرى، سيّما المقاربات المتعلّقة بالمتعلّمين ذوي الصّعوبات التّعلميّة والحاجات الخاصّة والمتفوّقين، والتّعليم المتمايز والتّعليم المتعدّد السّرعات وغيرهم.

– أمّا في مجال تكنولوجيا التّعليم وكل ما يتعلّق بالتّعليم والتّعلّم المدمج وأدواته ومستلزماته، فبيّن المستند عن ضعف حاد، عكس جهل المعنيّين في موضوع التّكنولوجيا ودورها في الوصول ٳلى استراتيجيّات تربويّة معاصرة.

– وبالتالي، جاء المستند بعيداّ كل البعد عن المسارات الحديثة في التّعليم والتّحليل لتلبية حاجات سوق العمل الدّيناميكي والمتجدّد.

– نضف ٳلى ما تمّ ذكره ضعف المراجع وقلّة تنوّعها. فالمراجع الأساسيّة المعتمدة تعود ٳلى اليونسكو، ومنها تعود ٳلى البنك الدّولي ووزارة التّربية والمركز التّربوي. مع الٳشارة أن بعضها غير مستعمل ولا يتوافق مع المضمون.

5- على مستوى استقلاليّة المدارس المطلقة:

– لمّح المستند ٳلى التّوجّه ٳلى مجتمعات تعلّم مستقلّة، وٳلى التّوجّه ٳلى اللامركزيّة في التّعليم، والتّنسيق بين شبكة المدارس التي ستستحدث، وترك الحريّة شبه مطلقة للمعلّم في التّعليم.

– من حيث المبدأ العام هذا يمكن أن يكون توجّه في المستقبل، بعد أن يتم تحضير الٳدارات والمعلّمين وجميع العاملين في الحقل التّربوي على هذه الثّقافة، وبعد أن يتم حل مجمل المشاكل السّياسيّة والثّقافيّة والوطنيّة العالقة.

– أمّا الآن فهذه المقاربة ستزيد من الشّرخ والتّفاوت التّربوي وستؤدّي الى كونتونات تربويّة بحسب الطّوائف والأحزاب والمناطق.

– هذا ولم نتطرّق بعد ٳلى دور المناهج في تكوين الشّخصيّة القاعديّة في المجتمع من خلال ٳلزامية تعليم الكفايات الحياتيّة والعلميّة والمهنيّة والقيميّة المشتركة، لجميع الصّفوف والمواد، وفي جميع المدارس، مع ترك المجال مفتوحاً للٳبتكار والٳبداع والانفتاح الواعي والمضبوط.

6- على مستوى مخالفة القانون ونقل صلاحيّات المركز التّربوي للوزارة:

– أشار الٳطار المرجعي المقترح للمناهج في العديد من صفحاته الى الورقة التّوجيهيّة للمشروع، والتي لم يتم توزيعها على مختلف اللجان المشاركة. وقد تضمّنت هذه الورقة عدة أقسام: المقدّمة، مفهوم المنهاج، الحاجة إلى تطوير المنهاج في السّياق اللبناني، رؤية التّطوير، المحاور الرئيسيّة لتطوير المنهاج، سيرورة تطوير المنهاج في لبنان، ضمان جودة المنهاج، والملحقات.

– حتى لو بدا هذا المستند أكثر تماسكاً من الٳطار المرجعي، لكنّه في الصفحة 31 تجاوز القانون الى أبعد الحدود. حيث أنه أشار أن “يجري تطوير مختلف الوثائق المنصوص عليها في الخطّة المذكورة أعلاه من قبل لجان عمل متخصّصة، تعيّنها وزارة التّربية والتّعليم العالي، بالتّعاون مع المركز”. وهذا مخالف للقانون الذي يولي هذه المهام للمركز التّربوي، الجّهة المسؤولة عن تطوير المناهج وعن تشكيل اللجان المتخصّصة الأكاديميّة والفنيّة والبحثّية وغيرها.

المناهج التّعليميّة هي من أحدى مشاكل القطاع التّربوي في لبنان، ولكنّها ليست الوحيدة طبعاً.

– وحتماً نحن نحتاج ٳلى مناهج جديدة، معاصرة تلبّي حاجات المتعلّم المواطن وحاجات الأسرة وحاجات المجتمع وحاجات سوق العمل…

– نحن نحتاج ٳلى مناهج جديدة تعكس رؤية اللبنانييّن حول شخصيّة وثقافة المواطن الذي نريد وحول شكل ال”لبنان” الذي نريد. كون المناهج تسهم في بناء شخصيّة المتعلّم وبناء المواطنيّة التّشاركيّة الفاعلة، وتعمل على ضخّ الكفايات الحياتيّة والمهنيّة في سوق العمل، وتعمل على رقيّ المجتمع وتقدّمه وانفتاحه في جميع الميادين.

– لذلك منظوميّة العمل في المناهج التّربويّة هي عمليّة شاملة ومستدامة لها آليّاتها وقواعدها، ولها عدّتها وناسها. تستدعي عدم التّسرّع، وتحتاج ٳلى المشاركة الميثاقيّة الحقيقيّة بين كل أقطاب المجتمع وٳلى انفتاح ثقافي ونقاش أكاديمي علمي وتربوي، يتناول الأبعاد الشّخصيّة والٳنسانيّة والقيميّة والٳجتماعيّة والبيئيّة والٳقتصاديّة والوطنيّة وغيرها…، بعيداّ عن الهشاشة والضّياع والتّخلّف والتّقوقع والٳنفصال عن الواقع المحلّي والعالمي.

ان المقاربة المستخدمة في تطوير المناهج حاليّاً والاستعانة ببعض الخبراء وإقصاء الأكثر كفاءة، واستخدام هذه الأدوات والأسلوب المفكّك في العمل، وإعلاء أهمية إتمام العمل لوجستيّاً على أهميّته العلميّة والأكاديميّة والتّنمويّة، هو كمن يستخدم أسلحة الحرب العالميّة الأولى في عصر حروب الجيل الخامس.

وأخيراً، وبعد أن عرضنا باختصار أهم الثّغرات في مشروع تطوير المناهج الحالي، نتمنّى أن تأتي حكومة ٳنقاذ حقيقيّة لوقف التّدهور الحاصل، ونأمل أن يكون وزراءها من أصحاب الكفاءة الٳدارية، ومن أصحاب الاختصاص، ومن المواطنين الذين يؤمنون بالمؤسّسات ويحترمون القانون ويعتبرون لبنان أولاً.

 

About tarbiagate

Check Also

طرابلسي: مبروك… انتصر العقل

بوابة التربية:  بعد القرارات التي اتخذها وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي بخصوص الامتحانات الرسمية …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *