أخبار عاجلة

روابط الثانوي: مُراجعة نقديَّة

tanssek-2014
من حراك هيئة التنسيق النقابية في العام 2014 للمطالبة بسلسلة الرتب والرواتب (أرشيف)

 

 

 *   يوسف كلوت

 

خاضت الهيئات الإدارية المتعاقبة على قيادة رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي من العام 2004 وحتى العام 2014 تجربة نقابية فعَّالة. وكان التوازن داخل هذه الهيئات يرسو دائماً على معادلة متعددة الأضلع قِوامها حنا غريب رئيساً بما هو ممثل وجهة نقابية لها معادلها السياسي، ونقابيون مستقلون والزملاء ممثلي القوى الحكومية الذين تتشكل منهم الهيئة الإدارية الحالية المنتهية الولاية. ورغم أن هذه المعادلة قد انتزعت بالضغط من خلال تحرك منفرد لأساتذة التعليم الثانوي 4 درجات ونصف درجة، مستكملة بها إستعادة ما كان قد تم قضمه في العام 1996 من الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي، فإنها لم تستطع تحقيق شيء ملموس بشأن السلسلة والحفاظ على الموقع المذكور في تحركات ضاغطة مشتركة مع بقية الروابط في إطار هيئة التنسيق النقابية بدأت في العام 2012 وأُنهِيَت في أواخر العام 2014 بطريقة مُحبِطة نقابياً بعد أن تجاوزت الحكومة مجتمعة آنذاك الحدود التي تحترمها الدولة الحديثة عادة في صراعها مع النقابات، فكسَرَت بإعطاء الإفادات مبدأ التفاوض وضربت سيادة الدولة بشأن الشهادة الرسمية مما أدَّى إلى النيل من مكانة وجودة التعليم الرسمي عموماً.

لماذا لم تستطع هذه التحركات التي عززت شعور الأساتذة بقدرتهم وثقل حضورهم انتزاع السلسلة وحفظ الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي؟ ولماذا تمكَّنت الحكومة من إنهائها ومعادلتها على النحو الذي ذكرناه؟ فهل شكَّل منطق عمل هذه المعادلة والخلفيات الفكرية لاشتغال قرارها وإدارتها لتحركات السلسلة بعناوين ورهانات سياسية عقبُ أخيل التجربة برمتها، أم أن عقب أخيل كمن في طبيعة العلاقة بين القوى الحكومية والزملاء ممثليها في الأطر المختلفة للرابطة، أم أنه كمن في الإثنين معاً؟ وهل كان الإنخراط بالمطالبة بحقوق شاملة للقطاع العام في سياق الرهانات المذكورة ضمن هيئة التنسيق النقابية خياراً نقابياً مُجدياً لأساتذة الثانوي؟ هذه تساؤلات مشروعة، وعلى خلفيتها لا بد من تعريض هذه التجربة للمراجعة والمُساءلة والنقد.

أما الهيئة الإدارية الحالية التي استلمت قيادة الرابطة بدايات العام 2015 فإنها لم تبادر إلى أي تحرك فعَّال طوال ولايتها، مبررة ذلك تارة بأن الحوار والتفاهم أجدى من التدافع والصراع في تحصيل المطالب، وطوراً بالظروف العامة في البلد، حيث لم يكن هناك رئيس جمهورية والحكومة مشلولة والمجلس النيابي مُعطَّل. علماً أنه في هذه الفترة كان ما سُمي بتشريع الضرورة، قد تم أكثر من مرة لأمور مالية كبيرة وصغيرة. إنها لم تُحقِّق شيئاً يُذكر باستثناء بعض المتابعات الإجرائية المتعلقة بامتحانات مجلس الخدمة المدنية وفائض الأساتذة الناجحين وتعاونية موظفي الدولة وتقديم مشروع سلسلة منفصلة عن بقية القطاعات لوزير التربية والنواب دون أن تستطيع أخذ تواقيعهم عليه …، وقد انتهت ولايتها والحال النقابي معطل بشكل عام وبما يتصل بالسلسلة والموقع الوظيفي لأستاذ الثانوي بشكل خاص.

والسؤال الذي يُطرح هنا على الزملاء في الهيئة الإدارية الحالية المنتهية الولاية الذين يمثلون القوى السياسية الحكومية هو: لماذا لم تُعطِكُم قواكم السياسية ما أعطت أقرانكم في رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، رغم أن معادلة القرار في رابطة الجامعة حين نالت سلسلة محترمة لأساتذتها العاملين والمتقاعدين كانت نسخة طبق الأصل عن معادلة القرار في رابطة الثانوي حالياً؟

لماذا لم تستطع هذه الهيئة طوال سنتين الحوار والتفاهم مع قواها السياسية وتحصيل سلسلة تحفظ الحقوق أو حتى أي سلسلة؟ فهل السبب في ذلك التركيبة التي حكمت قرارها وبنيتها حيث عكست معادلات القوى التي تتشكَّل منها الحكومة والمجلس النيابي؟ هذه تساؤلات مشروعة، وعلى خلفيتها لا بد من تعريض هذه التجربة أيضاً للمراجعة والمُساءلة والنقد.

في المُحصلة فإن أساتذة التعليم الثانوي قد خرجوا من التجربتين على التمايز بينهما لجهة التركيبة ومعادلة القرار والتحركات وشعور الأساتذة بفاعليتهم بخفي حنين على مستوى تطوير الثانويات الرسمية والسلسلة والموقع الوظيفي.

إن العبرة من التجربتين تدفعنا للقول بأن هناك خللاً في بنية وضعنا ومعادلة قرارنا والمنطق الذي يحكم تحركاتنا أوصلنا إلى ما نحن فيه. فلا ينفع الكلام كثيراً عن العمل النقابي وأحقية المطالب المادية ما لم يُطرح في رأس أولوية التحركات مواجهة تسرب طابع اللاإنتاج والتوزيع الريعي السياسي إلى مهنة التعليم الثانوي مذ تم تعطيل دور كلية التربية واستبداله بالتعاقد، ومذ تم أيضاً تعطيل الآليات المهنية القانونية في اختيار المدراء والنظار وسواهم. مواجهة تبغي إحياء دور كلية التربية في إنتاج الأساتذة، وإعادة أخلاقيات المهنة وعاداتها وتقاليدها بفرض الترقي الإداري فيها وانتظام مؤسساتها على قاعدة الكفاءة وتكافوء الفرص، وإعادة نموذج الأستاذ الرصين الساعي لتدريس نصابه كاملاً. وهو ما يُعيد للمهنة مكانتها وللأساتذة حضورهم الذاتي الأصيل وقرارهم الفعَّال ودورهم الوازن، حيث من دون ذلك  يبقى إتجاه المطالبة بالحقوق المادية ضعيفاً أمام السلطة وهشاً أمام الرأي العام. ولا ينفع الكلام كثيراً أيضاً عن فاعلية العمل النقابي وقدرته على الإنجاز ما لم تمتلك معادلة القرار في الهيئة الإدارية الجديدة هامشاً جدياً في اتخاذ القرارات والسعي لانتزاع التطوير والحقوق بالتحرك المزعج مباشرة أو بالتفاوض على قاعدة موازين قوى فعليَّة تهدِّد بهذا الصنف من التحركات.

فالتجربة أثبتت أنه لا يمكن أن يمتلك العمل النقابي قراره ويكون فعالاً داخل أي مهنة ما لم تكن المهنة منتظمة على قواعد القانون وأخلاقيات العمل والجهد، لأن عدم توفُّر ذلك يُمكَّن من الإلتفاف على أي حراك نقابي عبر سياسة الجزرة وإجهاضه مهما بلغ شأووه.

إن تراجع التعليم الرسمي عموماً وتقلصه وكذلك تراجع الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي وتدهور القيمة الشرائية لراتبه يُلقي على عاتق كل المعنيين مسؤوليات معنوية وعملية كبرى إن كان المعيار الحاكم هو مصلحة القطاع والأساتذة. فلا يليق بالمهنة ومستقبلها ولا بالأساتذة ومصالحهم المشروعة غير دينامية نقابية خلاَّقة فاعلة قادرة على الضغط والتفاوض والحوار في آن لاستعادة المهنة إلى قواعدها القانونية وأخلاقياتها وانتزاع سلسلة تحفظ الحقوق والموقع الوظيفي والمكتسبات؟ لنر إن كان يُمكن إنتزاع ما يجب انتزاعه في خِضم التجاذبات التي تسود هذه المرحلة التي يُعاد فيها تركيب الكيان والسلطة وتشغيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية وسواها.

 

* مندوب في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي

عن mcg

شاهد أيضاً

المرصد الجامعي للحقوق يوجه رسالة إلى جنبلاط: ما نحتاجه هو إلغاء عقد الذل

بوابة التربية: وجهت الدكتور نور عبيد باسم المرصد الجامعي للحقوق رسالة مفتوحة إلى رئيس الحزب …