أخبار عاجلة

موازنة لبنان 2022: أمر واقع ومتاهة

 بوابة التربية- كتب الدكتور جعفر عبد الخالق:

موازنة لبنان 2022 أقل ما يقال فيها “أمر واقع”، لماذا؟

لأن كل ما يتطلبه الإنهيار قد حصل. وهذا الحد الأدنى من الدرك الممكن الوصول إليه: الدولار حلق صعوداً بين 15-20 ضعفاً، الأجور الحقيقية تبخرت بحدود 90% من قيمتها (يعني القطاع العام إنخفضت كلفته بحدود 80% تلقائياً)، وتم إلغاء الدعم الكامل عن 98% من السلع الاجتماعية. الدين العام بالليرة اللبنانية إضمحل تقريباً، وبالدولار اقتطع منه حوالي 35%. وما تبقى من خسائر (69 مليار $)  سيتم توزيعها تقريباً كالتالي: 26% على الدولة (10 مليار $) ومصرف لبنان (8 مليار $)، و 19% على مساهمي المصارف (13 مليار $)، و 55% على المودعين (38 مليار$). والنتيجة أنه خلال العامين المنصرمين إنخفض الناتج المحلي اللبناني الرسمي من 58 مليار$ إلى 18 مليار$، أي إلى 32% منه، والناتج على الفرد  من 12000 دولار إلى حوالي 2500 $ سنوياً، والحد الأدنى للأجور يتذبذب بين 20-25 دولار شهرياً… مما أوصلنا إلى آخر لائحة دول العالم الفقيرة. أي خلال عامين سقطنا من المرتبة 63 بين 197 دولة إلى المرتبة 197 بالحد الأدنى للأجور.

وفي هذا الواقع المرير، أين تقع موازنة 2022؟ وهل يمكن وصفها بالأمر الواقع المرير في المتاهة المظلمة؟ وكيف ذلك؟. (أنظر رسم وجدول أرقام الموازنة الأساسية بنهاية الدراسة)

أولاً) كل من في السلطة اليوم، قدمها كمشروع، والكل يتبرأ منها إنتنقاداً وتفصيلاً.

ثانياً) صحيح أنها تضاعفت بالأرقام مرتين عن العام 2021، ولكنها بالفعل إنخفضت أربعة أضعاف عن موازنة العام 2019. كانت حينها تلامس ال 8 مليار$ بينما الآن لا تصل إلى 2 مليار$ (إذا احتسبنا الدولار ب 24000 ل.ل).

ثالثاً: بنود حجم الاستثمار فيها لا تتجاوز 4%، أي اقل من 90 مليون$، وتم ترحيل كل تمويل مشاريع البرامج صورياً إلى العام 2023، بما فيها استثمارات الحكومة والوزارات، وتسديد الديون والاستملاكات وعتاد الجيش والبنى التحتية وغيرها.

رابعاً) الرواتب والأجور وملحقاتها إرتفعت فقط 35% لتشكل 14% من الموازنة، بعد أن كانت تشكل 32% سابقاً. هذا مع العلم أن الأجور الفعلية خسرت 9 أضعاف من قيمتها في العامين السابقين، ومؤشر الغلاء  تصاعد بحدود 600% خلال الفترة. ومع ذلك إرتفعت حصة ضريبة الدخل في الإيرادات 20% لتشكل 15% منها، وهذا يعتبر تنزيل إضافي مباشر من زيادة الأجور لتعود إلى 15% بدل ال 35%.

سادساً) بنفس موازنة 2022 إرتفعت رسوم السلع والخدمات بمقدار 424% لتشكل 19737 مليار ل.ل، أي 50.4% من إيرادات الخزينة. فهل يعقل أن ترتفع الرسوم والضرائب أربعة أضعاف، بينما الأجور فقط 15% عملياً. ألا يعني ذلك إفقاراً موصوفاً ومتعمداً لأصحاب الدخل المحدود، وملامسة 65% من الشعب اللبناني حد الفقر وما دون.

سابعاً) لم تكتفي السلطة بكل مكوناتها بإضافة تلك الضرائب والرسوم، بل أضافت إحتياطي تشريعي للمزيد منها وغب الطلب، بتشريع سلطة مطلقة لوزارة المالية بتحديد سعر الصرف  للدولار المعتمد لإستيفاء الجمارك والضرائب والرسوم، ومشاركة بعض الوزراء المعنيين أحياناً.

ثامناً) صحيح أن السلطة بهذه الموازنة أقرت بدفع مساعدة اجتماعية بمعدل راتب شهري إضافي لكل موظف، ونصف راتب إضافي للمتقاعد لمدة عام واحد فقط. وهذا يعتبر إما رشوة أو احسان متمسكن على أصحاب حقوق خسروا ودائعهم و 90% من قيمة معاشاتهم خلال العامين المنصرمين، لتأتي سلطة وتتحسن عليهم جهاراً، وغير مكترثة حتى لتضيف الزيادة إلى المعاش رسمياً من ناحية، ومن ناحية ثانية تعامل المتقاعدين كمواطنين من الدرجة الثانية، وكأنهم يعيشون بجزيرة نائية عن المجتمع اللبناني ولم يصبها زلزال الإنهيار.

تاسعاً) والأهم المفجع هي صحة الشعب اللبناني بمجمله، بحيث إكتفت الدولة بزيادة ال 70% على عطاءات الهيئات الضامنة في البلد، بالوقت أنه بحسب ظروف الغلاء الفاحش حالياً، إرتفعت تكلفة الطبابة والاستشفاء والدواء إلى أكثر من عشرة أضعاف. فكيف يترك شعب بمجمله لمصير مجهول ويلاقي أجله القريب لعام قادم، بحيث أن معاشه لا يكفي فاتورتي دواء، فكيف بالأحرى حالة استشفاء واحدة فقط بالسنة؟.

قبل الختام، بودنا سرد نموذج عن تعامل السلطة مع أحد أهم روافدها بالطاقة والاستثمار البشري، ألا وهي الجامعة اللبنانية، التي توازي الجيش الوطني كضمانة للأمن والاستقرار، وتحتوي على 88 ألف طالب وإدارة، وخمسة آلاف أستاذ، و19 كلية اختصاص و65 فرعاً على الأراضي اللبنانية، وتعطيها موازنة تساوي موازنة العام الماضي بالضبط دون زيادة أو نقصان، ويضاف فقط 10 مليارات ل.ل لصندوق تعاضد الأساتذة ، وهو بأمس الحاجة إلى 400 مليار ليرة لتغطية الحد الأدنى من المتطلبات الصحية لعشرة آلاف منتسب وعائلاتهم. إلا إذا دولتنا العلية إعتبرت أن قيام الجامعة بعمل إنتاجي جراء استخدام مختبراتها لفحوصات الكورونا PCR على كافة الحدود الجوية والبحرية والبرية، سيعطيها دفعاً لدعم موازنتها، فبدل أن تترك لها إيجابية الدعم لأساتذتها وإدارتها وطلابها، تعاقبها بطريقتين: أولاً بعدم العمل على الضغط لتحويل مستحقاتها من قبل شركات الطيران والمديرية العامة للطيران المدني، والتي توازي 40 مليون دولار طازج منذ تموز 2021، وثانياً بعدم زيادة موازنتها السنوية بالمطلق. أنظر الجدول المرفق.

بالنهاية، وبعد السرد التحليلي المبسط لمجاميع موازنة 2022، لم نستطع، لا علمياً ولا عملياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، أن نصف الموازنة  سوى بالأمر الواقع، والمتاهة اللامتناهية. بينما التفاهة المتاحة فقط: بأن أطراف سلطة مشروع الموازنة ينتقدونها للتبرؤ من دم ذاك الصديق، فتجاوزت هذه التفاهة تلك المتاهة.

والأهم أننا منذ عامين، نستمع جميعاً بكل بلاهة، إلى تقاذف أطراف السلطة المتحاصصين لمقدرات البلد، الأسباب والمسببات للإنهيار الذي حصل، والكل يحملها، إما لفلان أو علان، أو لبروتس أو لوتس، أو ل 25 عاماً أو لعشرة أو خمسة أعوام، والنتيجة واحدة الإرتطام حصل، وإلى التغيير در. لا آذان لمن ننادي، والذي حصل فعلاً من إنهيار مدوي منذ عامين، بالتأكيد لا يتحمله موظفين إلى أي فئة اجتماعية أو وظيفية إنتموا، إنها حتماً مصالح القابضين على مفاصل السلطة بشموليتها. والتغيير مفترض شامل، والخروج من المتاهة لا يتم بالحلول الجزئية أو المجتزأة.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

الحلبي ممثلا بري وميقاتي اطلق اسم جان عبيد على متوسطة النهضة الرسمية في الميناء

بوابة التربية: رعى وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي ممثلا رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *