عقد المركز التربوي للبحوث والإنماء ومنظمة اليونيسيف مؤتمر “الرقمية في حياة أولادنا”، بحضور ومشاركة خبراء وشخصيات تربوية وعسكرية وأكاديمية وتقنية وكبار المسؤولين في المركز التربوي ووزارة التربية والمؤسسات التربوية الرسمية والخاصة والجامعية.
ويهدف مشروع سلامة الأطفال على الانترنت إلى إيجاد بيئة أكثر أمانا لسلامة استخدام الأطفال للانترنت في لبنان، ويستند إلى نتائج دراسة على الصعيد الوطني كانت الأولى من نوعها، طاولت عينة من الأطفال وأهاليهم والمعلمين والمديرين وأصحاب مقاهي الانترنت وقد استدعت نتائجها تدخلا سريعا من أصحاب القرار والجهات الرسمية والمنظمات المعنية بالحفاظ على سلامة الاطفال في شكل عام وحمايتهم من سوء استخدام الانترنت بصورة خاصة.
عويجان
بعد النشيد الوطني، ألقت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ندى عويجان كلمة قالت فيها: “نحن في قلب العصر الرقمي الذي يتطور ويتحول في كل لحظة حتى تكاد الرقمية تشمل كل جوانب حياتنا. ولكي ننجح في بناء مجتمع يحمي نفسه من أخطار العولمة، لا بد أولا من حماية الفئة المستضعفة والمستهدفة. لذلك، نحن مدعوون، من خلال خبراتنا ومسؤولياتنا، الى تذويد أولادنا بالمعارف الأساسية والضرورية عن الرقمية، والى إكسابهم المهارات الرقمية المطلوبة، والى توجيههم لاتخاذ المواقف السليمة والمسؤولة في حياتهم”.
أضافت: “لا بد أن نسعى لأن يعي أولادنا ويدركوا بإرادتهم الخاصة كيف يتصرفون مع هذا البحر من المعلومات والمغريات والمواقع، وكيف يتجنبون الوقوع في الأشراك الكثيرة المعدة لهم. إن أولادنا هم أول المستهلكين لمختلف أنواع البرمجيات والمواقع والألعاب، والتواصل الاجتماعي وغيرها. هنا تكمن الخطورة إذا كانوا غير مستعدين لاستخدام المنطق السليم في التعاطي الواعي مع هذه المغريات، واذا كانوا غير مقدرين لتبعات ما يخبئه هذا العالم الرقمي من أفخاخ ومؤثرات على عقولهم، يجعلهم في كل لحظة عرضة لتتبع موجات فكرية وثقافية واجتماعية وعقائدية، تستدرجهم نحو سلوكيات غير مضبوطة وغير مستحبة”.
وتابعت: “الرقمية المفرطة تسهم في إضعاف الذاكرة على المدى الطويل، تسبب العصبية والتعب والإرهاق والصداع وقصر النظر. كما تسبب آلاما في العنق ومنطقة الكتفين وتؤدي الى الإصابة بالسمنة. إضافة الى هذا، يمكن للرقمية المفرطة في حياتنا أن تتحول الى إدمان عليها، فيصبح الطفل انطوائيا ومحبا للعزلة أو يصبح عصبيا وعدوانيا. كما وأنه قد يفقد الإرادة الحقيقية ويفقد مهارات التواصل مع الآخرين. ناهيك عن المضايقات والتحرش غير المرغوب فيه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعرض لمحتويات غير ملائمة لنموه الذهني والفكري والنفسي وغيرها. لذلك من الضروري وضع ضوابط وأخلاقيات للاستخدام الفعال والمسؤول والآمن”.
وقالت : “كمؤسسة وطنية تستشعر المسؤولية التربوية عن الأجيال الناشئة، قررنا تشريح هذا الموضوع والإفادة من الخبرات المختلفة والتدخلات الفضلى في العالم، واختيار ما يناسب مجتمعنا من أجل حماية أولادنا، من خلال وعي كامل وإفهام وإدراك لخطورة الإنزلاق نحو التعلق بالرقمية وإهمال كل جوانب الحياة الحقيقية. وهذا بالضبط ما نسمو اليه، من خلال تفعيل العلاقات بين المتعلم وأسرته وبينه وبين مجتمع المدرسة (تشجيع – تواصل – نشاطات)، ومن خلال المراقبة المستمرة المباشرة وغير المباشرة من جانب الأهل والمدرسة، من خلال ملء فراغ الطفل بأنشطة رياضية، اجتماعية، ثقافية، مفيدة ومسلية داخل البيت، وداخل المدرسة وخارجهما، وأيضا من خلال سن القوانين والمراسيم التطبيقية، والأنظمة الرقابية اللازمة”.
وأشارت الى أن “المركز التربوي للبحوث والانماء، كان من السباقين لدراسة هذه الظاهرة. فمنذ العام 2012 أطلق المركز التربوي مشروع سلامة الاطفال على الانترنت، الذي تضمن مراحل عدة: دراسة ميدانية، حملة توعية، إعداد منهج ومادة تدريبية وأدوات تثقيفية، إجراء دورات تدريبية للمعلمين في القطاعين الرسمي والخاص، لا تزال مستمرة حتى اليوم”.
واوضحت “التربية هي الأساس، ونحن في خضم ورشة ننتقل من خلالها إلى مناهج تربوية جديدة تعتمد على الإمكانات الرقمية المتاحة وعلى المنحى التفاعلي في الشرح والإفهام والتقييم، نسعى من خلالها إلى ترسيخ سلوكيات رقمية سليمة. فالرقمية في عملية التعليم والتعلم، بحسب رؤية المركز التربوي، هي وسيلة لتحفيز المتعلم ولتسريع وتسهيل بناء المعرفة، وليست غاية بحد ذاتها. لذلك، بعد كل ما ذكرنا عن سيئات الرقمية في حياتنا، لا بد لنا أن نتكلم باختصار عن إيجابية الرقمية في التعليم. فهي توفر المعلومات في كل وقت، تغني الدروس بوسائل رقمية متعددة، تزيل المعوقات والحواجز (التكافؤ في الفرص) في ما خص الحصول على المعلومة (فردنة التعلم)، تسهم في تطبيق أساس التعليم والتعلم المتباين بحسب الذكاءات المتعددة والحاجات الخاصة، تفعل التعلم الذاتي مدى الحياة، تعزز بيئة التعلم، توفر بيئات تعلم افتراضية رقمية تفاعلية، تفتح الباب للابتكار والتفكير والتخطيط، تقوي الملاحظة والتركيز والخيال، تعلم الأحرف والأرقام وغيرها”.
إيركسون
وتحدثت ممثلة منظمة اليونيسيف جوهانا إيركسون فقالت: “لا تشير شرعة حقوق الطفل على وجه التحديد إلى حماية هذه الحقوق على الإنترنت. في الواقع، وفي عام 1989، عندما اعتمدت الجمعية العامة في الأمم المتحدة شرعة حقوق الطفل، كان تيم بيرنرز لي من المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات قد طور شبكة الويب العالمية وهي تقنية جديدة لنشر المعلومات على الإنترنت. وكان مصطلح الإنترنت قد تم استخدامه لأول مرة قبل سبع سنوات فقط آنذاك. ومع ذلك، فإن شرعة حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري، وخصوصا البروتوكول المتعلق ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية يتضمنان إرشادات مهمة لضمان حقوق الطفل على الإنترنت”.
أضافت: “يمكن الاسترشاد بشرعة حقوق الطفل لجميع المبادرات التشريعية والتعليمية وللسياسات، بما يوفر المصلحة الفضلى للطفل، واحترام ودعم نمو الأطفال واستقلاليتهم، وحمايتهم من العنف والتمييز. هذه المبادىء العامة تساعد على استثمار إمكانات الانترنت لتعزيز تعلم الأطفال وحرية تعبيرهم، من أجل دعم الأطفال في الوصول إلى المعلومات وتلقيها ونقلها، وحمايتهم من المواد والمعلومات الضارة، ومن التدخل غير المشروع في خصوصيتهم، ومن الوضعيات التي قد تعرض شرفهم وسمعتهم للخطر”.
وتابعت: “لحماية الأطفال بشكل أفضل عبر الإنترنت، تدعو اليونيسف الحكومات وقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للاستماع إلى وجهات نظر الأطفال والشباب من خلال التشاور المباشر أو من خلال البحث، وإدماج تفكيرهم في السياسات والاستراتيجيات والبرامج المصممة لمعالجة الاعتداء الجنسي والاستغلال الجنسي عبر الإنترنت. كما تدعو شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للعمل مع الوزارات والحكومات وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومؤسسات إنفاذ القانون ومنظمات المجتمع المدني لإيجاد بيئة آمنة على الإنترنت للأطفال من خلال تنفيذ المبادىء التوجيهية للصناعة بشأن حماية الأطفال عبر الإنترنت. وتدعو أيضا الأهل واولياء الامر للتحدث إلى الاطفال حول الأمان على الإنترنت، والتأكد من أن الأطفال يفهمون مخاطر الإنترنت وخياراتهم إذا تعرضوا لإية مخاطر رقمية”.
وقالت: “وتتوجه إلى المعلمين للتعرف على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية التي يستخدمها الأطفال لفهم المخاطر التي يواجهونها على الإنترنت بشكل أفضل وفهم الفرص المتاحة لتمكينهم. كما تتوجه إلى المدارس لإدخال المعرفة والمهارات المتعلقة بالسلامة الرقمية في المناهج الدراسية وتأمين مستشارين مدرسيين ودعم الأطفال الذين لديهم تجارب رقمية سلبية. وتدعو الأطفال والشباب لدعم بعضهم البعض من خلال تبادل المعلومات حول كيفية حماية بعضهم البعض، والتحدث ضد العنف عبر الإنترنت”.
وختمت: “لن نتمكن من التصدي بفعالية لمخاطر الحماية إلا بالعمل عن كثب وبجهود متضافرة، مع تعزيز فرص المشاركة التي تتيحها الإنترنت اليوم”.
الجلسات
في الجلسة الأولى، عرضت رئيسة قسم المعلوماتية التربوية في المركز التربوي غريس صوان موجزا يذكر بأبرز نتائج الدراسة، وصرحت بأن هذا المؤتمر عقد بغية “الصعود بهذه القضية وإحلالها في درجة متقدمة من الاهتمام على الصعيد الوطني من خلال إشراك الوزارات المعنية والمؤسسات سواء أكانت اجتماعية أم وطنية أم دولية بغية تفعيل دور الدولة والمجتمع المدني من خلال التوصيات التي ستصدر عنه”.
كما عرضت رئيسة قسم الرياضيات المدربة جيهان بركات المحاور الاساسية لمضمون المادة التدريبية الموجهة للأساتذة والتلامذة وعدد الدورات التدريبية والمعلمين الذين تابعوا هذه الدورات في مختلف المناطق اللبنانية.
ولفتت الأمينة العامة للمجلس الاعلى للطفولة ريتا كرم الى أن “لجنة حماية الاطفال من سوء استخدام الانترنت المنبثقة عن المجلس قد حضرت حملة توعوية حول هذا الموضوع وأنها بصدد تنفيذ هذه الحملة بالتعاون مع وزارة التربية والمركز التربوي والمدارس الخاصة ومديرية التعليم المهني والتقني في المحافظات كافة”، مشيرة إلى أن “هدف هذه الحملة هو توعية حوالي 6000 تلميذ على سوء استخدام الانترنت من خلال إعداد محاضرات من قبل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الامن الداخلي من الناحية التقنية والاتحاد لحماية الاحداث من ناحية التدخل القضائي والمركز التربوي للبحوث والانماء من الناحية التربوية، اضافة الى ذلك فقد تم تنظيم معرض من جانب أعضاء اللجنة وقد تم عرض وسائل توضيحية للاطفال”.
وحملت الجلسة الثانية عنوان “المواطنة في العالم الرقمي”، وبدأت بمداخلة كوميدية لرئيسة قسم الفنون في المركز الفنانة ليلى اسطفان على شكل مسرحية تتناول موضوع الادمان على الانترنت من قبل الأهل والأطفال على حد سواء والتشديد على ما ينتج عنها من تصرفات غريبة بأسلوب ساخر، وهذه الفقرة من إعداد وتقديم ليلى اسطفان وشاركتها في التمثيل جيهان بركات.
ثم تحدث رئيس جمعية ONLINE SAFETY أكرم كرامه عن مراحل تطور “لغة السلامة على الانترنت من المنحى السلبي الى المنحى الايجابي وصولا الى المواطنة الرقمية حيث اصبح هناك واجبات وحقوق لأطفالنا على الانترنت”.
بعد ذلك، تكلم مسؤول برامج الاتصال والمعلومات في الاونيسكو جورج عواد عن حالات وتطبيقات حول الرقمية في حياة المواطن.
وتحدث مدير عام شركة TRANSFORM ED إيلي صعب عن “عصر المعرفة وانغماس اولادنا في الحياة الرقمية”، معتبرا أن “الحل الأنسب لحمايتهم من سوء إستخدام وسائل التكنولوجيا والانترنت يكمن أولا في الحوار الدائم بين الأهل واولادهم وارشادهم إلى كيفية التعامل في شكل صحيح مع المخاطر المحتملة”.
وتمحورت الجلسة الثالثة حول تأثير الرقمية على الاطفال، فقال الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية الأب الدكتور وديع السقيم: “إن القدرات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس وإمكانات العمل في شكل مختلف تشكل بلا شك تحديا كبيرا لمجتمعنا”. وتناول مدى اهمية وتأثير تكنولوجيا المعلومات في المدارس ودورها في تقليص مشاكل عملية التعلم والتعليم.
وأكدت الأستاذة في جامعة سيدة اللويزة الدكتورة مايا سماحة روبرت أن “استخدام الإنترنت والتكنولوجيا لا يتزايد بوتيرة مقلقة فحسب، بل يبدأ أيضا في سن مبكرة للغاية بتمضية ساعات متواصلة يوميا في العالم الرقمي”.
وحاضر المدير التنفيذي لشركة E- ECO SOLUTIONS جيلبير تيغو عن “أهمية الرقمية في برنامج شهادات المدارس الخضراء”،
وأشار الملازم الاول في مكتب جرائم المعلوماتية الياس داغر في الجلسة الرابعة، الى جرائم المعلوماتية الأكثر شيوعا في لبنان في شكل عام وبحق الأطفال في شكل خاص. وتحدث عن ابرز انواع الجرائم المعلوماتية الواقعة على الأطفال خاصة عند استخدامهم الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي كافة، منبها من “مخاطر سوء استخدامها”. وشدد على أهمية “نشر الوعي والتنبيه من هذه المخاطر”، مؤكدا على دور قوى الامن الداخلي وخاصة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية الفعال في هذا المجال لجهة التوعية والمشاركة في جميع النشاطات التي تهدف الى الحد من الجريمة المعلوماتية”.
وتحدثت القاضي المنفرد في جبل لبنان جويل ابو حيدر عن دور القضاء وجرائم المعلوماتية بحق الأطفال، شارحة كيفية معالجة هذه الجرائم من جانب القضاء. وأشارت الى ان “مشروع القانون المتعلق بالجريمة الالكترونية في لبنان لم يبصر النور لغاية تاريخه”، مؤكدة ان “الاطفال المتورطين بالجريمة المذكورة هم في الواقع ضحايا سوء التربية وقلة الوعي، ما يقتضي معه إتخاذ التدابير القانونية لحمايتهم بهدف الحد من خطر انحرافهم”.
وشرح رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في جامعة الAUST الدكتور ايلي نصر كيفية الاصابة بالبرمجيات الخبيثة، متطرقا الى المنهجيات والحيل التي يستخدمها قراصنة الانترنت لاقتحام الأجهزة المحمولة والأنظمة والتجسس على البيانات. كما قدم بعض التوصيات الهامة وطرق الحماية.
وعرض الخبير وأستاذ التسويق الرقمي جوزيف يعقوب في الجلسة الخامسة، كيفية بناء آثار رقمية ايجابية على شبكات التواصل الاجتماعي.
وختاما، تم التداول في مقترحات التوصيات التي ستصدر عن المؤتمر.