منذ لحظات بدأت قصائد العرب بالبكاء، بالنواح، بالصمت العميق…!
بالوجع بين الاضلعي…بضيق النفس الذي انتحر على أعتاب الوجود…!
هرولت حروف العرب إلى نعش الفراق، ورياح القصيدة العربية لتحيك مع سيدها مظفر النواب كفنهم الممزق، والمليئ بالدماء والكيانات المتناحرة رغم كذبة الإيمان والتعصب والعلم الخاوي…
قفوا يا أدعياء العروبة…
اصمتوا يا كذبة الشعر والشعراء…
تنحوا يا أهل القصيدة الجارحة الثائرة الهادفة المباشرة عن كل الدروب لتمر روح قائد الشعر مظفر النواب مع كل أشواك العرب…
قفوا احتراماً لجهود من صوته لم يعرف الخفوت، ولم ينكسر حرفه رغم كل الصعاب التي عاناها في حياته…
اصمتوا اجلالاً لمسيرة أستاذنا المسجون من النظام المتخلف في العرب ومن العرب، ولم يبع شرفه وعرضه وشعره…مارس التدريس بين طلابه، وحرك المشاعر كي تنهض من كبوتها…
تنحوا فالنعش الذي يسير هو نعشنا الذي نسجن بداخله، والشاعر المسكون فينا وبحريتنا وبأنفاسنا مظفر النواب يحمله ويحملنا ويعاني منا…
لم يرحل مظفر النواب كما نعتقد، العرب قد رحلوا قبل الولادة، ورغم قساوتهم معه كان يتمنى ان يرحل عنهم….
مظفر النواب رحل ولم يرحل في زحمة خواء العرب من الكرامة والشرف…
مظفر أيها الشاعر الصارخ من أوضاعنا وكتبنا وأيامنا، وخياناتنا، وغدرنا، وغياب الشهامة والشرف فينا لم نتعلم من انتقادك لنا، ولم نستفد من مخاطبتك لوجودنا، ولم نحفظ صفعاتك لجنوننا الدامي، ولجهلنا المعشعش فينا …
رسمت معالم احلامنا بأشعارك، ولم نعد نعرف الحلم فينا…احلامنا تضيق مع كل اشراقة ولادة إبن حاكم، وبرحيلك سيفتقد الحلم لحضوره، وستشتاق سجون العرب إلى سجن الشعراء…
مظفر النواب حرام ان يقال انك من العرب…عفواً حرام أن يتمسحوا العرب بك…
مظفر أشكر ربك لأنك رحلت الأن، ولم تعد تشاهد تسمع ادعاءات بطولات العرب الوهمية، وكيف يعاشرون كالعبيد من يغتصبهم ويسرق شرفهم وارضهم وخيرات شبابهم وبلادهم ….
الآن ماتت القصيدة الثائرة، ورحل صدى الشعر، ولن يغب صاحب اجمل القصائد الراية…مات الأصيل مظفر النواب…مات فجر الشعر …
بوابة التربية: أحيت نقابة محرري الصحافة اللبنانية اليوم ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية لمناسبة السادس من أيار، وذلك باحتفال حاشد أمام النصب التذكاري للشهداء في ساحة البرج.
شارك في الاحتفال الى نقيب المحررين جوزف القصيفي وأعضاء مجلس النقابة ،وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس، نقيب الصحافة عوني الكعكي وأعضاء من مجلس النقابة، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحه، رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، مدير “الوكالة الوطنية للاعلام” زياد حرفوش”، رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر وعدد من ممثلي الصحف والمواقع الالكترونية واعلاميون.
عواضة
استهلالا النشيد الوطني، فدقيقة صمت وفاء لشهداء الصحافة اللبنانية، ثم قدم عضو مجلس نقابة المحررين واصف عواضة للحفل التكريمي بكلمة قال فيها:”نحيي اليوم ذكرى شهداء 1915 – 1916 ،صحافيين ومفكرين أعدمتهم السلطات العثمانية ،ولكن لا نعرف اليوم إذا ما علينا أن نترحم على الشهداء الأموات أم على الشهداء الأحياء في ظل المعاناة التي يقاسيها قطاع الصحافة والإعلام بسبب الأزمة التي يمر بها الوطن.
أضاف:لقد تخلصنا من الاحتلال العثماني لبلدنا ،ثم من الانتداب الفرنسي وحصلنا على الاستقلال،لكننا وقعنا منذ ذلك الحين في انتداب أقسى ،هو ذلك النظام السياسي الطائفي الذي لم نعرف حتى الآن كيف نتخلص منه. ولكننا لن نفقد الأمل، سنظل متمسكين بالأمل،لأن مهمتنا كصحافيين تقتضي ذلك ..فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
الكعكي
ثم ألقى النقيب عوني الكعكي كلمة عدد فيها شهداء الصحافة على مر السنين، وقال : من نتذكر في هذا اليوم؟ نتذكر نسيب المتني صاحب جريدة الطيار والتلغراف الذي اغتيل أيضا في مكتبه عام 1958.
نتذكر الزميل الاستاذ كامل مروه صاحب جريدة “الحياة”، وصاحب جريدة “الديلي ستار” التي كانت تصدر باللغة الانكليزية، وكانت الحياة من أولى الصحف اللبنانية، وكامل مروه اغتيل في مكتبه العام 1966.
نتذكر النقيب الحبيب المتميز صديق الملوك والرؤساء رياض طه الذي اغتيل في ظروف غامضة على بعد 30 مترا من نقابة الصحافة اللبنانية في محلة الرملة البيضاء عام 1980.
نذكر أيضا صاحب المجلة الأولى في العالم العربي “الحوادث” التي كان ينتظر حكام وشعوب العالم العربي ما يكتبه سليم اللوزي عام 1980.
أخيرا وليس آخرا نذكر الزميل وصديق العمر رئيس تحرير جريدة “النهار” جبران تويني، حيث فجروه بسيارته لأنهم لم يتحملوا ما يقوله عن الذين كانوا يحتلون لبنان عام2005.
ونذكر الزميل سمير قصير عام 2005 صاحب شعار “عسكر على مين”.قافلة شهداء الصحافة لا تنتهي طالما أن لبنان لا يزال محتلا من قوة خارجية وبأيد محلية
القصيفي
وألقى القصيفي، كلمة قال فيها:
نجتمع اليوم لنكرم من استشهدوا لتبقى الحرية وتستمر، علامة هذا الوطن وقدره.
إن دم شهداء الصحافة والاعلام في لبنان ، كان وما زال دعامة الاستقلال وضمانة الحرية وسياج الكرامة الوطنية. كان هذا الدم حبرهم الذي خطوا به سطورا خالدات على مر الزمن.
فإلى شهداء صحافة لبنان واعلامه في عيدهم نقول: إنا على العهد باقون.
ووفاء لهذا العهد سنبقى في معترك النضال ندافع عن الحرية والعدالة ، ونعمل على اقرار قانون عصري للاعلام يستظله العاملون في جميع القطاعات الاعلامية، يكون مركوزا إلى شرعة وطنية ناظمة ، تأكيدا لوحدة اسرتها، ونسعى لتوفير دعم لها يعزز استقلاليتها، ويقيها عثرات الارتهان، ويجنبها الإرهاب المعنوي والمادي الذي يحرفها عن رسالتها الوطنية والإنسانية.
إننا نلاحظ اليوم تراجعا في مستوى المهنة، في ضوء الدعاوى القضائية غير المبررة، ومحاولة التذاكي لارغام الصحافيين والاعلاميين على المثول أمام محاكم الجزاء لا أمام محكمة المطبوعات، أو احالتهم على مكتب جرائم المعلوماتية.
إن التضييق على الحريات لا يقتصر على التهديد الجسدي، إنما يتبدى في الضغط المادي والمعنوي المتمادي الذي يهدد بزعزعة قواعد الاستقلالية والموضوعية لدى العاملين في هذا القطاع، من خلال تخييرهم بين الاملاءات الموجهة ولقمة العيش. ونصر على إزالة كل العوائق التي تحول دون إفادة الصحافيين والاعلاميين من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، لأن هذا الحق هو الركيزة الأساس الذي يمكنهم من أداء رسالتهم على أفضل وجه.
فلحه
وكانت كلمة للمدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحه قال فيها :
“في مثل هذا المكان في 21 آب العام 1915 طلب أحد الاخوين محمد المحمصاني وكان معه اخوه محمود المحمصاني، ألا يعدم أحدهما أمام الآخر، بل أن يعدما معا حتى لا يشاهد احدهما الآخر، وقال: لست نادما على ما كتبت ولا ما فعلت ولكني مصر ان تحيا الامة العربية،” وأعدما مع من اعدموا من كوكبة الصحافيين. ونحن اليوم، جيد ان يكون ماضينا افضل من حاضرنا، ولكن المشكلة الكبيرة ان يكون حاضرنا أفضل من مستقبلنا، وعليه، نحن كاعلاميين واعلاميات، نسعى الى قانون وأنظمة ترعى العاملين في الحقل الاعلامي، بعدما تغيرت وظيفة الاعلام التي أصبحت كبيرة وليست محصورة في مجال أو اخر، ومشكور من سعى من نقابتي الصحافة والمحررين واراد ان يخضع العاملين في مجال الاعلام لشرعة الضمان الاجتماعي والتقاعد”.
أضاف:”نحن لدينا حرية اعلامية، لكن يجب ان نرتقي الى الاعلام الحر غير المرتهن لا في الداخل ولا في الخارج ولا للطوائف ولا للمذاهب . يجب ان يكون انتماؤنا وطنيا للداخل أكثر من اانتماء الى أي أحد في الخارج. ونحن لسنا في وطننا الثاني لبنان، نحن في وطننا الاول والاخير لبنان ، الوطن النهائي لكل اللبنانيين”. ونحن اساس وضمان استقرار هذا البلد”.
الاسمر
وقال رئيس الإتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر: “هذا الرمز شاهد، تحية لشهداء الصحافة الابية الحرة التي وضعت الاسس للبنان ليكون منارة الشرق والذي اشتهر بكل شيء وأهمها هو الصحافة الحرة التي تنقل الحقيقة بعيدا عن التشويه وبعيدا عن الارتهان”.
اضاف:”الشعب اللبناني أصبح كله شهادة، شهادة على مذبح الفساد، شهادة على مذبح الذل، وشهادة على مذبح الطوابير وشهادة على سرقة المودعين واموال الناس وشهادة امام تهريب الاموال وشهادة على مشاريع قوانين لا تعد ولا تحصى والتي كلها لا تمت للقوانين وحقوق الناس بصلة”.
وختم الاسمر داعيا الى “ان تكون هذه الوقفة في عيد الصحافة في 6 ايار، للقول لا للفساد ولا لتهريب الاموال وغيرها الكثير، وان نكون جميعا مع الوطن مع لبنان وحقوق شعبه”.
كلاس
وختاما، كانت كلمة مقتضبة لوزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس قال فيها:”انا سعيد جدا ان اكون مدعوا ومشاركا كزميل في هذا اليوم، يوم الحرية ومن واجبنا بعد ان نقف دقيقة صمت، ان نقف بمجد واكبار ليس للذين استشهدوا فقط بل لان كل حامل قلم هو مشروع ضحية، والحرية هي كيانية في لبنان، وطالما ان لبنان لديه الحرية هذا يعني ان لبنان باق، ولبنان لن يموت وكل عيد صحافة وكل عيد حرية ولبنان بخير”.
محفوظ
وشدد رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ “للوكالة الوطنية” على “ان الاعلام له مهمة وهو التشديد على فكرة الوحدة الوطنية، وان الاستقلال الحقيقي يكون في تعزيز التفاهم بين اللبنانيين وتغليب لغة الحوار وتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة والابتعاد عن التشهير خصوصا في ظل مرحلة الانتخابات الحالية حيث نلمس للاسف ان الخطاب الانتخابي هو خطاب يدعو الى شيطنة الاخر بحيث تغيب عنه البرامج الانتخابية الفعلية التي ينشدها اللبنانيون في اتجاه تغيير حقيقي في مواجهة الفساد، لذلك المهمة كبيرة بالنسبة للصحافةل توجيه الراي العام وتصويب الاداء السياسي في تعزيز لحمة اللبنانيين وانقاذ وحدة الوطن. وبالتالي هذه مناسبة لاعادة دور الاعلام اللبناني في المنطقة بعد تراجعه اجمالا خلال السنوات الماضية”.
أضاف محفوظ:”من الضروري ان تدعم المؤسسات الاعلامية، فكرة الدولة وان تبتعد عن خطاب التشكيك وخطاب الكراهية والانقسامات السياسية والطائفية”.
بوابة التربية: لمناسبة صدور كتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو الجديد: “دولة لبنان الكبير 1920-2021: إشكاليات التعايش والحياد والمصير” انعقدت ندوة في الحركة الثقافية-أنطلياس في الخامس من أيار 2022 شارك فيها كلّ من الأساتذة الدكاترة جوزيف أبو نهرا وعبد الله سعيد والعميد الدكتور رؤوف الصيّاح، وأدارها الدكتور عصام كمال خليفة.
أبو نهرا
استهل العميد البروفسور أبو نهرا مطالعته بالحديث عن الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب، مشيرًا إلى تحلّي المؤلّف “بالموضوعية والرأي الجريء” والابتعاد عن “الأفكار المسبقة”، والتعبير عن “قناعاته بلا مواربة أو مسايرة”، وتخطي “الولاءات السياسية أو الطائفية”. وقد أشار سنّو إلى الأخطاء التي ارتكبتها كلّ الطوائف بعضها بحقّ بعض. ووصف أبو نهرا المؤلّف بأنه يعيش في قلق دائم، لا يفارقه هاجس مستقبل لبنان والعيش الحرّ الكريم فيه.
ولفت البروفسور أبو نهرا إلى أنّ سنّو عالج خمس فرضيات أساسية: وهي: وصول لبنان منهكّا إلى نهاية مئويته الأولى؛ عمل طوائفه على استجلاب للخارج لتحقيق أهدافها؛ مسؤولية المنظومة السياسية الحاكمة بكاملها في وصول لبنان إلى الانهيار الشامل؛ توقّع تداعيات طروحات الفدرالية و”ديمقراطية الأكثرية” و”المثالثة” على لبنان الموحد، وأخيرًا، تسلط “الثنائي الشيعي” على لبنان وإمساكه بطائفته وبكلّ الطوائف أو اختراقها.
وأشاد أبو نهرا بمقاربة جديدة للمؤلف لمئوية لبنان الكبير من خلال رسم بياني من تصميمه، طغت عليه سلبيات كثيرة وإيجابيات قليلة، من حيث عدم استقرار الأوضاع والسلم الأهلي والسيادة. ولفت العميد أبو نهرا إلى تمييز سنّو بين مرحلتين كيانيتين لتعايش اللبنانيين: الطائفية المجتمعية التي كانت سائدة قبل العام 1842، والطائفية-السياسية بعد ذلك التاريخ، وبخاصة منذ المتصرفيّة. من هنا، حمل لبنان الكبير معه منذ نشأته وزر الانقسامات الطائفية المجتمعية والسياسية في الجبل وتفاعلاتها والتضارب بين هويتين لبنانية وعروبية، ومشروعين سياسيين: انكفاء المسيحيّين في دولة مستقلة عن محيطها، ومساعي المسلمين للبقاء في فضائهم العربي السوري. وبعد حصول الكيان الجديد على اعتراف المسلمين به، وإخراج تسوية “الميثاق الوطني” في العام 1943، وُضعت أسس لتوافق سار متأرجحًا بين الوفاق والنزاع، حتى اندلاع حرب لبنان.
وتحدث العميد أبو نهرا عن رأي المؤلّف بأنّ “اتفاق الطائف” لم يأت بسلم أهلي مستتبّ، نتيجة سياسة سورية وعروبتها التي يسميها بـ “المنافقة”، وتقاسمها النفوذ في لبنان سرًا مع إسرائيل وفق “اتفاق الخط الأحمر”، وإدخالها قادة الميليشيات إلى الحكم في مرحلة ما بعد الاتفاق، ودورها في اصطناع الخلافات بين الطوائف والتلاعب بقوانين الانتخابات وبـ “المناصفة” وبمشروع إلغاء الطائفية-السياسية، كي لا يتعزز السلم الأهلي بينهم وتنتفي الحاجة لوجودها في البلاد.
وختم أبو نهرا استنتاجات سنّو بقوله: “إن لبنان لم يعرف استقرارًا ولا سلمًا أهليًا مستدامًا ولا سيادة تامّة على أراضيه، وذلك في ظلّ دولة مخترقة من الداخل والخارج”. “لقد أوجد نظام المحاصصة الطائفية طبقة سياسية تنهب الثروات، عملت وتعمل على تكبيل القضاء لمنعه من إصدار الأحكام العدلية التي تدين الفاسدين والمفسدين- هذه الطبقة غير المحصورة بطائفة معينة هي التي تآزرت لإجهاض انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، خدمة لمصالحها الخاصّة على حساب مصلحة الوطن.
سعيد
وفي استعراضه للفصول 4 و5 و6، اعتبر البروفسور عبد الله سعيد أنّ الكتاب هو دراسة موضوعية هامة يمكن أن تكون فريدة في طابعها ومحتواها؛ من حيث نجاحها في تقديم لوحة شاملة ومفصّلة تفصيلاً دقيقاً لأهم الاتجاهات الأساسية التي تنازعت أركان السلطة السياسية اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، والمحطّات السياسية والعسكرية التي عصفت بلبنان طيلة مئة عام.
ورأى سعيد أن سنّو تابع موضوعاته بجرأة متناهية، وقدّمها بتسلسل منطقي، وتحليل موضوعي مع التركيز على تسمية الأشياء بأسمائها. وبدلاً من أن تقوم المنظومة السياسية الحاكمة، على مشارف الألفية الثالثة، بالانتقال بلبنان إلى دولة عصرية، كانت تقوده إلى حروب سياسية داخلية عبثية متقطعة ومتنقلة من منطقة إلى أخرى، مما أدى إلى تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، والوصول به إلى شفير هاوية الانهيار الاقتصادي والمالي والصحي والاجتماعي الخدماتي الشامل.
وبالنسبة إلى المؤلّف سنّو، أضاف سعيد، فإنّ الفساد المستشري، وتخمّر الاهتراء السياسي، والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، وتصاعد عمليّات التهريب عبر الحدود، والتهرّب الضريبي، وزج لبنان في أتون الصراعات الإقليمية، وتفاقم الأوضاع بازدياد أعداد اللاجئين السوريين، جعلت الشعب اللبناني ينتفض في 17 تشرين الأول 2019، بمختلف فئاته ومكوّناته الاجتماعية والاقتصادية ومناطقه، وأن يُصعِّد حراكه المدني السلمي في اعتصامات وتظاهرات واضرابات طلابية وعمّالية ومهن حرّة.
وأشار سعيد إلى تخصيص سنّو صفحات عدة لمباركة غبطة البطريرك الراعي الحراك الشبيبي المدني، ومطالبته السلطة بالاستماع إلى صوته، والنأي بالنفس في الصراعات الإقليمية، ما عدا الصراع مع العدو الإسرائيلي، وإلى الابتعاد عن سياسة المحاور. وقد رفع غبطته سقف مطالبته لتصل إلى حدّ طرح موضوع حياد لبنان الايجابي وعقد مؤتمر دولي من أجل تأمين هذا الحياد.
إلا أنّ المنظومة الحاكمة لم تستجب لتوجّهات البطريرك، ولا لمطالب الشبّان والشبات الإصلاحية، وأهمها حكومة تكنوقراط وتطبيق قوانين استقلالية القضاء وحصر شرعية السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الجيش والدولة فقط؛ وإصلاح المالية العامة وغيرها من المطالب الشعبية. وقد قامت المنظومة الحاكمة وقواها الأمنية والعسكرية الحليفة بقمع المنتفضين وافشالهم حتى الوصول إلى تأييسهم (على طريقة فالج لا تعالج) مما دفع أقسام كبيرة منهم نحو الهجرة، لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وبعد تفشي وباء كورونا وإجراءات الحد من انتشاره القاسية.
وختم سعيد بقول سنّو: “لعل أهم ما نتج من انتفاضة 17 تشرين أن المحتجّين في المدن والبلدات والأرياف تقبّلوا بعضهم بعضًا ثقافيًا واجتماعيًا من دون أن يوحّدهم برنامج سياسي أو قائد، لأنّ الثورة كانت بدون رأس وينقصها البرنامج المرحلي الموّحد”.
الصيّاح
وانتقل الكلام بعدها إلى العميد الدكتور رؤوف الصيّاح الذي تناول الفصلين الأخيرين من الكتاب. فلفت إلى الفصل السابع الذي يتناول “خيارات لبنان المستقبلية: الفدرالية وأخواتها أم الدولة المدنية؟” وكذلك التطور السّياسي والاجتماعي للطائفة الشّيعية بعد العام 1975 والسّعي إلى “ديموقراطية الأكثرية” و”المثالثة”، وثقافة الاستقواء، وبالتالي هواجس المسيحيّين منذ الطائف، مع رسم خارطة جغرافية لفدرالية الطوائف ودرس خيار الدولة المدنية، ليستنتج بأنه يصعب تطبيق الفدرالية والدولة المدنية لعوامل كثيرة.
وفي الفصل الثامن الذي حمل عنوان: “لبنان في مواجهة التحديّات المصيريّة الراهنة تلاشي مقومات الصمود وتصاعد احتمالات التفكك”، انطلق سنّو من اعتبار لبنان دولة فاشلة ومن تشرذم طوائفه ونظام المحاصصة الطائفية، وتآكل الطوائف من الداخل التي دخلت في صراعات دموية، فيما اتحد مكونا “الثنائية الشّيعية” بعد صراع دموي وتحوّلا إلى الرقم الصعب وحلف الضرورة. وأخيرًا، استنتج المؤلّف بأنّ المنظومة السّياسية تتحمل المسؤولية الكبرى عن وصول لبنان إلى ما وصل إليه. وأشار الصيّاح إلى ملحق الكتاب الذي تضمن خمس رسائل مفتوحة إلى كلّ من الرئيس سعد الحريري ورسالة افتراضية إلى الامين العام للأمم المتحدة، وثلاث رسائل إلى الرئيس ميشال عون.
وقال الدكتور الصيّاح أنه لاحظ في قراءته للكتاب الذي حمل في عنوانه الرئيسي عناوين كبيرة ومصيرية، توقّف المؤلّف عند كلّ حدث وربط الأحداث بعوامل عدّة تعود بجذورها إلى الجغرافية اللبنانية التي تحتلّ الواجهة الشّرقية للبحر المتوسط، وأهميته الاستراتيجية والصراع الإقليمي والدولي وانعكاسه على لبنان على مدى العصور. وأضاف أنّ سنّو كلما غاص بعمق في الكتاب كان يجد نفسه قاضٍ آلمته القضية، فجمع جميع معطياتها ودرس الحيثيات باحثًا عن الأسرار، وجال على الطوائف والمذاهب يحمل همومهم وهواجسهم الوجودية، وينقل بدقة عنهم تفاصيل مشاعرهم ويدوّنها، حتى أنّ القارئ يشعر أحيانا كأنّه طرفًا في الحدث، لكن لا يلبث أن يرى لاحقًا بأنه ينقل شعور واقع الجهة التي يتحدث عنها.
وشبّه الصيّاح كتاب سنّو بخزانة تاريخيّة لحقبة هامة ومؤلمة من تاريخ لبنان، متمنيًا مسألتين: إعادة النظر في النظام التعليمي اللبناني وادراج مادة الحوار والقيم الأخلاقية في المناهج للوصول إلى ثقافة الاحتكام إلى سلطة العقل وليس إلى السّلاح عند اختلاف الرأي، وهذا يؤدي برأيه ذلك إلى بناء المواطنية الصالحة وصناعة القادة. أما الأمنية الثانية، فهي اسقاط مقولة الحقّ الالهي في السّلطة لدى شعب يعتبر معظمه بأنّ الله اعطى الحقّ للزعيم في قيادته. فالوطن للجميع، ووجوب اعتماد السّيف لحماية القلم وليس العكس، واحترام شهداء الآخرين، استنادا إلى الرئيس الياس سركيس الذي اعتبر بأنّ من مات في لبنان حسبه أنه استشهد عن ايمان.
المدرسة الأولى (الكِتَّاب)- قبل الحديث عن المدارس الأولى أو الكتاتيب (جمع كِتّاب)، التي كانت منتشرةً في بعض مدن وقرى جبل عامل، لا بدّ من تسليط الضوء على سوء الأوضاع وانتشار الظلم والفقر والجهل في بلادنا، حيث كان الأتراك قد بلغوا مرحلةً من الضعف أصبحوا معها عاجزين عن بسط سيطرتهم على امبراطورية مترامية الأطراف، وبوسائل بدائيّة؛ ممّا شجّع الدول الأوروبيّة على التدخّل بعد الفتن والأحداث الطائفية في الجبل بحجّة مناصرة هذه الطائفة أو تلك. لكنّ الهدف المباشر كان اقتسام الولايات التركية للحلول مكانها.
لذلك، نشطت الإرساليات أو البعثات الأجنبية، وبدأت بفتح المدارس في جبل لبنان ثمّ في بيروت واستقبلت طالبي العلم من العائلات الميسورة ليس رغبةً بتعليم اللبنانيين، بل ليصبح خرّيجو هذه المدارس فيما بعد عونًا لهم على نشر عاداتهم ولغاتهم وسياساتهم، وليتمكنّوا من خلالهم من بسط سيطرتهم على بلادنا. وهكذا، ما إن انتهت الحرب العالميّة تقاسمت فرنسا وبريطانيا المنطقة بموجب معاهدة سايكس بيكو؛ فوقع لبنان وسوريا تحت الإنتداب الفرنسي، والعراق والأردن وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني.
لم تكن الأوضاع في بلادنا بأفضل ممّا كانت عليه، جهل وفقر وأمّيّة وحرمان شامل تعاني منه مناطق الجنوب والبقاع والشّمال. فخلال هذه الفترة الممتدّة من 1800 إلى 1943م كان الإقطاعيون يسلبون الناس أتعابهم ولقمة عيشهم ليسترضوا أسيادهم. في ظلّ هذه الأوضاع كان هناك بصيص أمل أضاء هذه العتمة، وتمثّل بقيام بعض المتنوّرين من العلماء والمتعلّمين بفتح المدارس الدّينية (الحوزات) والمدارس التي تعلّم مبادئ القراءة والكتابة وتسمّى الكتاتيب حرصًا منهم على نشر العلم والحفاظ على الدين، لأنّ الدولة كانت غائبة سواء أيّام الأتراك، أو أيّام الإنتداب الفرنسي.
– المدارس الدينية:
كان دورها كبيرًا في بعث النهضة ونشر العلم في جبل عامل على الرّغم من تضييق الأتراك، لأنّ العلم برأيهم ينشر الوعي، والوعي يدفع النّاس إلى التّحرّر من سلطة الأجنبي. ومن أشهر هذه المدارس:
أ- مدرسة جزّين: تأسست على يدي الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي في العام 1370م، وانتهت بعد خروج الشيعة من جزّين في إثر صراعات مع الدروز في العام 1757م.
ب- مدرسة ميس الجبل: أسّسها علي بن عبد العالي الميسي (المحقّق الميسي).
ت- مدرسة شقراء: وقد استفادت من حالة الهدوء بعد نهاية أحمد باشا الجزّار.
ث- مدرسة جويا: أنشأها الشيخ محمد علي خاتون وكانت تسمّى (الخاتونية).
ج- مدرسة جبع: خرّجت كبار العلماء كالشّهيد الثاني الشيخ زين الدين.
ح- مدرسة الكوثرية: تأسّست في العام 1840م، وتخرّج منها كبار العلماء كالشيخ محمد علي عزّالدين مؤسّس مدرسة حناويه.
وكان العلماء من خرّيجي هذه المدارس يضطرون للهجرة إلى العراق أو إلى إيران في أيّام الصفويين لمتابعة تحصيلهم، أو للتدريس، أو هربًا من ظلم المستعمرين. نشأت بفعل ذلك نهضة علمية وبإمكانات محدودة لا تشبه واقع المناطق اللبنانية الأخرى التي كانت تنعم بنشاطات البعثات الأجنبية، لا سيّما بيروت وجبل لبنان.
– دور الكتاتيب في المجال العلمي:
الكِتّاب هو المدرسة الأولى التي كان يديرها معلّمٌ واحد. حتّى أوائل القرن العشرين لم يكن في معظم قرى جبل عامل مدرسة بالمعنى المتعارف عليه اليوم. لهذا كانت الكتاتيب ما تزال تؤدّي دورها التعليمي الذي بدأته من قبل بجهودٍ ذاتية محدودة حيث تستقبل أبناء العائلات الفقيرة من القرى المجاورة. واعتمدت معظم هذه الكتاتيب على تعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وتجويد القرآن، في وقتِ كان كثيرٌ من الأهالي يتهرّبون من تعليم أبنائهم لا سيّما الفتيات منهم خوفًا على سمعتهنّ ومستقبلهنّ إذا أحسنّ الكتابة والقراءة، وانفتحن على الآخرين. وكانت أهمّ الكتاتيب في النبطيّة وبنت جبيل وشقراء وعيناثا ومعركة وديركيفا والشهابية وطيردبّا والعباسية وديرقانون النهر، وفي كلٍّ منها عدة كتاتيب.
– كتاتيب ديرقانون النهر:
أنشأ المدرسة الأولى (الكِتّاب) شيخٌ من دبعال من آل العطّار، ثمّ كانت مدرسة الشيخ سليمان عزالدين، والحاج محمد علي حريري (أبو إبراهيم)، ثمّ مدرسة السيدة فاطمة الشيخ شحادة غسّاني، ثمّ مدرسة السيد يونس حسن زلزلي التي تزامنت مع افتتاح المدرسة الرسمية في البلدة بصفوفها الإبتدائية الثلاثة، وكان يديرها الأستاذ جعفر عزالدين ومن بعده الأستاذان حسين عزالدين (أبو سليم)، وإبراهيم حمادة (من الدّوير).
المرحوم السيد يونس حسن زلزلي
– مدرسة السيد يونس حسن زلزلي:
استمرّت من العام 1948 إلى العام 1968م.
– نبذة عن حياته:
ولد في العام 1902 وتوفيّ في العام 1977م. كان منذ ولادته محدودب الظهر مع إعاقة في قدميه، يمشي مستعينًا بعكّاز. آثر والده أن يعلّمه القراءة والكتابة؛ فكان يحمله إلى المدرسة ذهابًا وإيابًا ليغنيه عن حاجة الناس. وعندما شبّ تعلّم صناعة الأحذية على يد الحاج محمود عبد الجليل وعمل معه لسنوات في المهنة في محلٍّ كان قائمًا على تلّةٍ بين منزليهما المتجاورين في المكان الذي أقيم عليه منزل أبو علي حسن عزالدين وملحمته في وقت لاحق(ساحة ديرقانون النّهر). ثمّ اشترى لاحقًا قطعة أرض وبنى عليها بيتًا من غرفتين واسعتين، إحداهما جعلها مدرسة، والثانية للسّكن (الطّابق الأرضيّ من بيتنا الحالي)، وحفر بئرًا لتجميع المياه كما كانت معظم بيوت القرية قبل وصول شبكة المياه إليها.
– نظام المدرسة ودوامها:
كانت المدرسة تستقبل الطلاّب من البلدة ومن القرى المجاورة (الحلوسيّة وبدياس وجناتا وطورا). وكان عددهم يصل إلى 35 طالبًا أحيانًا يأتون سيرًا على الأقدام حاملين لوازمهم في حقائب (شنط) من قماش تُعَلّق بالكتف، ويجلسون على حصيرٍ من البابير أو من القش. العطلة الأسبوعية كانت يوم الجمعة مع تعطيل الدّراسة أيّام الأعياد الدّينيّة والعاشر من محرّم. وكانت الدّراسة تُعَطَّل ليوم واحد عند وفاة أحد أبناء القرية؛ ففي ذلك الحين، كانت حالات الوفاة قليلة لقلّة السكّان، وكانت المشاركة وعلاقات القربى والتّضامن بين النّاس موضع اهتمام وتقدير، يحمل الواحد من أبناء القرية هَمّ الآخر، ويتعاون الجميع في السرّاء والضرّاء.
أمّا الدوام، فكان يبدأ من شروق الشّمس إلى ما قبل غروبها بقليل، يتخلّل الدّوام فرصة لتناول طعام الغداء لمدّة ساعة أو أكثر. وكان أبناء القرى المجاورة يبسطون زادهم ويأكلون بجوٍّ من الألفة والفرح. وعند الانصراف مساءً، كانوا يخرجون قبل الآخرين بنصف ساعة. كذلك في أيّام الشتاء، عندما تتلبّد الغيوم وتنذر بالمطر، كان المعلّم يشير إلى الطلاّب بالانصراف قبل انتهاء الدوام. وتحديد وقت الغداء كان يتمّ بمراقبة الظِّلّ عند عتبة الباب.
– الانتساب إلى المدرسة:
كان الأهل يأتون بابنهم إلى المدرسة، ويعطون المعلّم تفويضًا كاملًا باستعمال الشدّة قائلين: (اللحم لك ولنا الجلد والعظم). وهذا كان كافيًا ليشعر الطالب بالرهبة والمسؤولية، لأنّه إذا خرج على المألوف لن يجد له في البيت من يغطّي تقصيره وهفواته. أمّا إذا أراد الطالب أن يقضي حاجته، فيطلب الإذن (الدستور) ويخرج إلى حقلٍ قريب. وإذا أراد أن يشرب، يخرج ليجد إبريق الفخّار في قناةٍ تشكّل امتدادًا لمزراب السَّطح (السيّالة)، فيعمد الطَّالب إلى ملء الإبريق من البئر بواسطة حبلٍ حتى لو لم يكن فارغًا، ليكسب الوقت. أمّا المعلّم، فكان يجلس على كرسي وأمامه طاولةٌ فوقها لوازمه، وكان يلبس شروالًا عربيًّا، وحول خصره يلفّ (الشّملة)، ويعتمر على رأسه طربوشًا يلفّ حوله عمّةً خضراء ترمز إلى انتمائه إلى السّادة (النَسب الشّريف)، وإلى جانبه عددٌ من قضبان الرّمّان تختلف من حيث الطّول، وغالبًا ما يأتي بها الطّلاّب، لينالوا رضى معلّمهم. وغالبًا ما كان القصاص شديدًا للمقصّرين والمشاغبين، بينما لم يطل كثيرًا منهم؛ إذ تكفي كلمةٌ أو نظرة، ليعودوا إلى الصّراط.
وقد كنت أسمع بعقوبة الفلقة، لكنّي لم أرَ أنّها طُبِّقَت في مدرسة السيّد، فلم تكن عنده إلّا مادّةً للتّخويف، ليس إلاّ. وممّا أذكره، أنّ بعض الطلاّب كانوا أحيانًا يشيرون إليّ بالدّخول والجلوس بقربهم، وما أن أفعل، حتّى ينادي الوالد ويدعوني للخروج، وإذا بقضيب الرّمّان يطالني ملوّحًا بالعقاب. وأورد هنا أسماء بعض الذين تعلّموا في مدرسة السيد:
الحاج محمود قصير (أبو بسّام)-السيد أحمد عبد الجليل (أبو مالك)-نمر غساني وأخوه المرحوم اسماعيل-علي شبيب عوالي (أبو جلال) من البلدة. وأحمد محمد قعفراني وأخوه زاهي-فوزي قعفراني-علي عبد الرضا قعفراني-الحاج حسين علي قاسم وأخوه حسن من بدياس. محمد وعبد الله ابراهيم عجمي-حسين عياد من الحلوسية.
– مناهج التّدريس وطرائقه:
يُسَلَّم الطّالب حين التحاقه بالمدرسة ورقةً مكتوبةً عليها الأحرف الأبجدية. يبدأ المعلّم بتعليمه الحروف، وينتقل إلى توضيح النّقاط مثلاً: أ- لا شيء عليه، ب- واحدة من تحت، ت- اثنتان من فوق، ث- ثلاثة من فوق، ح- لا شيء عليه، ي- اثنتان من تحت، أي نقطتان. (لا شيء كانت تُلْفَظ لا شٍ). وهكذا…ثمّ يأتي دور التّشكيل: أَ: فتحة إِ: كسرة، أُ: ضمّة، اً: ألف فتحتان، اٍ: كسرتان، اٌ: ضمّتان. ثمّ ينتقل بعدها إلى تعليم المبتدئين الأحرف الأبجدية مركّبةً مع تشكيل: أبجد: ألف فتحة، ب سكون أبْ، ج: فتحة: أبجْ، د: سكون… أبجد. هوّز-حُطّي-كلمن-سعفص-قُرِشت-ثخذٌ-ضظغٌ… يتابع الطالب تعلّمها مستعينًا بمعلّمه وأحيانًا برفاقه. بعد التعرّف إلى قراءة الأحرف مفردةً ومركّبة ومُشَكَّلة، يتسلّم كتاب القراءة أو (الحرفيّة)، فتبدأ الدّروس بالحروف والصّور ثمّ بالكلمات، وبعدها بمقاطع قصيرة. ثمّ ينتقل الطالب من درسٍ أنجزه إلى آخر حتى يختم الحرفيّة، ويصبح مؤهلًا لتسلّم جزء “عمّ”. وكلّما قرأ سورةً أمام المعلّم قراءةً صحيحة، يسمح له بالانتقال إلى سواها. وتترافق عملية القراءة مع الكتابة، ولكلّ عملٍ وقتٌ مخصّص. والكتابة تكون بمستوى ما بلغه الطّالب في القراءة. تستمرّ عملية التعلّم حتّى يختم القرآن الكريم. ويأتي يوم ختم القرآن بمثابة حفل تخرّج، فيرتدي الطالب ثيابًا جديدة، ويبدأ بقراءة سورة البقرة، ورفاقه يحيطون به مبتهجين. وما أن يقرأ (ختم الله على قلوبهم) تعلو صيحات رفاقه، ويخرجون معه في موكبٍ إلى البيت حاملين قطعة قماش وينشدون أناشيد للمناسبة. وبوصولهم إلى البيت، يستقبلهم أهل الطّالب، ويملأون قطعة القماش بالحلوى. ثم يعود الطّلّاب إلى المدرسة لتقاسم الحلوى مع زملائهم. يتفرّغ الطالب بعد ذلك لإتقان عملية الكتابة، وكانت بالرّيشة أو بقلم الحبر السَّائل. ولم تكن أقلام الحبر النَّاشف معروفةً بعد. وبعد الكتابة، يتعلّم مبادئ الحساب (جمع- طرح- ضرب- قسمة). يتولّى الطلاّب الّذين قطعوا مرحلةً مهمّة من التعلّم مساعدة معلّمهم لتعليم رفاقهم. قبل انتهاء الدّوام بساعة تقريبًا، كان المعلّم ينادي الطّلّاب الذين أصبحوا في مرحلةٍ متقدّمة من الكتابة(للجمع)، وكان يسمّيهم (الكِتّابة). يجلسون حوله حاملين دفاترهم وأقلامهم، فيملي عليهم نصًّا من شعرٍ أو نثر
من كتابٍ أمامه. وعندما ينجزون ما أملاه عليهم، يصحّح لهم كتاباتهم. فيعيد من أخطأ منهم نسخ الكلمة موضع الخطأ مرّاتٍ عديدة. وقد عرِفْتُ فيما بعد، أنّ الجمع يعني في اللغة الكتابة أو جمع الأحرف. والطّالب الّذي يتمكّن من القراءة والكتابة والحساب يقال عنه (جمع الحرف)، أي أصبح متعلّمًا وبإمكانه مساعدة أهله أو الذّهاب إلى المدينة بحثًا عن عمل. وما ينطبق على مدرسة السيّد يونس حسن زلزلي ربّما كان ينطبق على بقية المدارس أو الكتاتيب في ذلك الزّمان، لأنّ الظّروف المعيشة كانت واحدة، ولا يمكن أن نقيس على ما نحن فيه اليوم من تطوّرٍ في العلوم وانفتاح بين الحضارات وتعدّد في مجالات الإختصاص. مع الإشارة إلى أنّ المعلّم في ذلك الحين كان يكتب الرّسائل لأهل القرية، ويقرأ لهم الرّدود (من أبنائهم المسافرين)، ويَسْتَشار في الأمور المهمّة. وكان المعلّم ممّن يحسنون الكتابة بخطٍّ جميل.
توخيّت الموضوعيّة في كتابة هذا النّصّ عن والدي السّيّد يونس حسن زلزلي ومدرسته، والله من وراء القصد.
الدكتور حسن صعب كان رجلاً رؤيوياً، فالإعلام بالنسبة اليه هو صناعة التقدم، وهو دعا في العام 1979 الى ملاقاة الانتقال من الصحافة الطباعية الى الصحافة الالكترونية التي ستصبح بديلة للصحيفة الطباعية المكتوبة والاذاعية والتلفزيونية هذه الصحيفة التي عرّفها حسن صعب “باللوح الإلكتروني” سيشغّل على نطاق كوني من محطة فضائية ذلك أن التواصل الأرضي سيخلفه التواصل الفضائي.
سنوات مضت على هذه الدعوة قبل ان تصبح حقيقة عاشتها الصحافة المكتوبة مؤخراً وانتقلنا الى عصر الاعلام الفضائي والاقمار الاصطناعية التي تسيّر كل انواع الاتصال في العالم.
وهذا ما أرتآه حسن صعب لطبيعة الإنسان اليوم والذي اسماه “الانسان التلكراسي” حيث كل وسائل الانتاج هي وسائل تبادلية او تواصلية بين المنتج والموزع والمستهلك، ذلك ان تكنولوجيا التواصل الاعلامي كما اسماها، تصوغ الانسان صياغة فردية لا ككائن فردي او اجتماعي بل كوني. السنا نعيش اليوم العولمة بكافة أبعادها الإقتصادية والاجتماعية والاعلامية.
حسن صعب آمن بالعقل والحرية، واذا اعتبر ان العقل يحرر الإنسان من سلاله، آمن ايضاً ان الحرية هي الإسم الآخر للإنسان، والكمال الذاتي لا يتحقق الا من خلال الإنسان الحر.
من هذا المفهوم انطلق الدكتور حسن صعب في تجربته السياسية داعياً الى تعزيز الثقافة الإنتخابية بواسطة وسائل الاعلام وكان شعاره الحرية والكرامة والاستقلال.
وقد دعا في محاضرة القاها في العام 1960 الى ابعاد القيد الطائفي عن الحياة السياسية والى ضرورة الغاء الطائفية عن قانون الإنتخاب اضافة الى دعوته الى تجديد الحياة السياسية ودعم الوجوه الجديدة.
ما طرحه حسن صعب العام 1960 نعيشه اليوم فهو الذي دعا إلى مشاركة المرأة الفعالة في الحياة السياسية وذهب أبعد مما يطرح اليوم حول الكوتا النسائية، اذ اعتبر ان الانتخاب الصحيح هو الذي تشارك فيه المرأة مشاركة فعالة مع الرجل.
حسن صعب الذي كان يعتبر ان الحياة العامة لا تقوم إلا على أساس الحرية الفردية والوحدة الوطنية والعدالة الإجتماعية دعا الى تعزيز قيمة المواطن، فمفهوم المواطنة بالنسبة اليه هو الذي يعزز الوحدة الوطنية والمساواة بين الجميع.
يعتبر كتاب “تحديث العقل العربي” من الكتب التي تدخل في عملية النقد الذاتي التي يمارسها هذا العقل “العربي” على نفسه، إيمانًا منه بأنّ عملية بناء العقل، المنطق، الثقافة، الفكر، تبدأ من النقد الذاتي الذي يمارسه العقل على تجلياته في مختلف المستويات من خطاب “اللغة” إلى سلوك “الأخلاق” إلى الممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية…إلخ، ولأنّنا لا نشكّ لحظة في قيمة العقل – الفعالية – ولأنّنا نعتقد بأنّ النهضة تبدأ من تفعيل هذا العقل من خلال نقده وتحريره ومنطقته من خلال تجلياته المختلفة والمتنوعة من تصورات وتمثلات وتمفصلات إزاء الوجود الحقيقي عبر مظاهره اللانهائية، وعندئذ نحاول من خلال هذه القراءة التعريف بالكتاب وبأفكاره وأهدافه وبمشروعه وبالآفاق التي تولّدت من خلال مناطحة منهجية لأفكار متنوعة كلّها تصبّ في إطار تحديث العقل العربي، والكتاب من تأليف حسن صعب، بعنوان “تحديث العقل العربي …دراسات حول الثورة الثقافية اللازمة للتقدم العربي في العصر الحديث”، صادر عن دار العلم للملايين للنشر – بيروت.لبنان – في طبعته الثالثة – أكتوبر 1980 – وهو يحتوي على ستة فصول يسبقها استهلال، وعدد أوراقه 232 صفحة من الحجم المتوسط.
والدكتور حسن صعب باحث لبناني يلقب بالمفكر الإنمائي من خلال تبنّيه لشعار “إنماء الإنسان، كلّ إنسان وكلّ الإنسان”، يعرف عليه انتقاله من مجال فكري إلى آخر بداية من الدراسات الدينية إلى الآداب ثم السياسة والإعلام وبعدها الإنماء فالثقافة، له العديد من المقالات والمصنّفات والأبحاث أهمها كتاب “تحديث العقل العربي”.
أمّا الكتاب الذي هو موضوع هذا المقال (1) فإنّه يهدف إلى تبيين مكانة العقل العربي ودوره في صناعة الحضارة الإنسانية وبحث السبل والمخارج التي تؤول به إلى مكانته الحقيقية – الريادة – كما كان سلفًا، ثم إثارة النقاش كذلك، في حالة العقل العربي وواقعه وما يعانيه من تراجع رهيب طوال سنوات عديدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سعي منه إلى لفت الانتباه بخصوص إمكانيات العقل العربي للتقدم ومسايرة العصر، وقدرته على تخطّي واقعه من خلال الإيمان بالإنسان والعلم والعودة من جديد إلى الطاقة الإبداعية التي هي خاصية كامنة في العقل العربي والتاريخ والحضارة، والثقافة العالمية تشهد على إيضاءاته الخالصة وعلى تنويراته الهامة.
إنّ النسق العام الذي ينتمي إليه هذا الكتاب “تحديث العقل العربي” هو نقد العقل العربي بالمعنى الواسع لهذه الكلمات، ذلك أنّ فصول الكتاب ومحتوياتها لا تعدو أن تكون سوى قراءة مغايرة لواقع هذا العقل العربي سواء بمقارنته بالعقل الغربي من جهة أو بمقاربته بالعقل العربي الإسلامي الكلاسيكي من جهة ثانية.
لقد شمل كتاب “تحديث العقل العربي” مجموعة من الرؤى بخصوص جملة من الحواجز التي تعيق عملية إعادة البناء “تحديث” العقل العربي في ميادين عديدة أهمها اللغة “جدلية الفكر والكلام”، والجانب الأخلاقي، وكذلك الاجتماعي الأنثروبولوجي البنيوي، وكذلك العمل السياسي “القيادي” وصولاً إلى الدور الذي يلعبه الإعلام في دفع حركة التحضر والتقدم والرقي.
يطرح صاحب الكتاب – حسن صعب – مجموعة من الأسئلة التي كان يرى فيها الدافع المحرّك للكتابة في هذا الموضوع، ومن بين ما طرحه من أسئلة رئيسية تمثل صلب الموضوع وجوهره، ذلك التساؤل الذي كان على شاكلة “كيف نستطيع أن نحقّق هذا التحديث؟” وهو سؤال منهجي بنكهة إستراتيجية، ذلك أنّ صاحب الكتاب يعلم كفاية بأنّ العقل العربي له القدرة الكاملة على التحديث، لكن في الوقت ذاته يعي بأنّ مشكلته تكمن في الكيفية التي بها يستطيع تحقيق هذا التحديث، ولهذا يركّز كثيرًا “حسن صعب” على سؤال المنهج باعتباره من الأسئلة الصميمية لتجاوز حالة التخلف والتراجع والتقهقر التي أصابت هذا العقل العربي لسنوات ليست بالقصيرة.
يعتبر كتاب “تحديث العقل العربي” من الكتب القيمة والبارزة في الفكر الفلسفي النقدي العربي الإسلامي، إذ يحاول الكاتب من خلاله الوقوف على مجموعة من القراءات التي تساعد على تحريك دائرة التحديث لهذا العقل العربي، ومما لا شك فيه أنّ كتابًا بهذا الوزن لا يمكن تلخيصه إلى عدد محدود من الأوراق، وإنّما محاولة منا للفت الانتباه إلى أهم ما جاء في هذا المؤلف بغية العمل في مناسبات لاحقة على نقد هذه الأفكار وتقويضها ومحاولة توسعتها أكثر عمليًّا ونظريًّا واستكمال الجهود التي جاء بها حسن صعب من خلال كتاب تحديث العقل العربي لمَ لا؟.
يحاول “حسن صعب” في هذا الكتاب البحث عن السبل العملية التطبيقية الفعلية – تجاوز الطرح النظري المجرد – التي تخرج بهذا العقل من دائرة التأزم والرجعية التي يعانيها هذا العقل “العربي” ومجتمعات هذا العقل منذ أن فتح عينيه على تقدم الآخر، ذلك الآخر الذي أصبح يفرض نوعًا من الصراع الحضاري الذي يحفّز العقل العربي لبلوغ ما يسمى بالحداثة أو تجاوز السلبيات التي أنتجها العقل الغربي نحو التأسيس لمجتمع ما بعد حداثي فيه من قيم الحرية والأنسنة والديمقراطية والعدل ما يجعله قادرًا على مواجهة كلّ أنواع التبعية والاستعمارية الفكرية “وقد ولدت في التاريخ نهضات وحركات جديدة لدى الشعوب والأمم التي هزها اليأس من واقعها الذي كشفه تفوّق الآخرين أو تغلبهم عليها. فلحظات اليأس هذه هي لحظات الولادات الجديدة في تاريخ الأمم والشعوب، والنهضة الأوروبية الحديثة، التي أفضت بالإنسان إلى القمر، هي ابنة لحظة من لحظات اليأس في التاريخ الأوروبي” وهذا ما يعيشه العقل العربي بالتحديد، بحيث لا يمكننا بأيّ حال من الأحوال البقاء على هامش الواقع والحياة، والآخر يصنع وينتج ويعمل ويحدّد المصير، ولهذا لا غرابة ولا هوادة أيضًا في المناداة بصوت مرتفع بتحديث العقل العربي ونقده نقدًا يخدمه لإنقاذ نفسه من سبات أصبح يهدّد الأنا من العمق والجوهر، ويتضح لنا جليًّا ما يحدث من أزمات ومشاكل اجتماعية ونفسية واقتصادية كلّها راجعة إلى الوضع الذي هو عليه الآن العقل العربي. وفي هذا أيضًا دافع حقيقي لتحديث هذا العقل العربي بغية الخروج من كل هذه الأزمات والمشاكل التي علقت بالإنسان العربي، أي كلّ إنسان عربي “ونحن على يقين أنّه مادام لنا أصل الشجرة، فلابدّ لنا أن نبلغ فروعها المتسامية في الفضاء. وكما صنعنا الحضارة بالأمس فسنعود لصنعها في الغد. وكما قدمنا العلم بالأمس فسنعود لتقديمه في الغد”.
*(1) قسم من دراسة مطولة للكاتبة شنوف نصرالدين، حول كتاب د. حسن صعب. تحديث العقل العربي “دراسات حول الثورة الثقافية اللازمة للتقدم العربي في العصر الحديث”. دار العلم للملايين. أكتوبر 1980.
نلملمُ شقائق التّحنان، ونجمع زنابق العرفان من أثلام آذار وأقلام الحبر المدرار، نرصّع بها أعتابًا تطأُها أقدام الأمّهات. ولن تكفينا كلّ حدائق الدّنيا وفاءً وثناء. فالأرض خمائلُ من حبّات قلوبهنّ، والسّماءُ جداولُ من كواثر عيونِهنّ، وهُنَّ فينا ملائكةٌ وقدّيساتٌ يحرسن بوّابات أعمارنا، وملكاتٌ يعتلين أرائك أرواحنا مُتَوَّجَاتٍ بالحُبّ، يلمسْن به قلوبنا؛ فتخضوضر. ويغمسْنَ به يباس أغصاننا؛ فتخضوضب. ويهمسْن به في عجاف أيّامنا؛ فتخضوضل.
سلامٌ على الأمّهات وهُنّ يسرجْن خيول الصّباح بعد أن أسرجْنَ سراجَ الأسهار في آناء الليل والأسحار، كي ننام قريري العيون، وأسرجْنَ البيوت بريحان قاماتهنّ تنفرج في ثناياها وحنايانا أسارير ضياءٍ ونعيم. هُنّ من لدن الله رحمةٌ واسعة. هُنّ من عدن الله نعمةٌ سابغة. هُنّ في أرض الله الواسعة جنّةٌ أولى وثانية وثالثة وسابعة. جمالهنّ يُلهم الإنسان بالحنان والشّعر، ظلالهنّ مُحْكَمُ القرآنَ بالبيان والذّكر.
هُنّ خلاصة الحياة من أعلى ألفِ رؤوسهنّ السّماويّة إلى أخمص ياء أقدامهنّ الجنائنيّة. كلّ عام وهُنَّ أصلُ الخير الطيّب الثّابت في الأرض، وفصل ربيعه وفروعه النّابتة برحمة السّماء في كلّ حين.
في الحادي عشر من آذار ملأت البحر قافلةٌ من أربعة عشر فدائيًّا تقودهم دلال المغربي بسفين العزم يمخرون عباب الشّوق إلى يافا. عيونهم ترنو إلى جبل النّار، وقلوبهم تنبض على دروب القدس. أقاموا فلسطينهم على متن أتوبيس الثّورة بين حيفا وتل أبيب. تدثّروا ببنادقهم، وتكفّنوا ببيارقهم بالأحمر والأخضر والأبيض والأسود. فرفرفت راية فلسطين، لتعلن ميلاد الصّبح من جرح كمال عدوان، وميعاد الفتح من قمح أبي جهاد مواسم فداء وانتفاضاتٍ تغسل وجه أرض البرتقال الحزين بنجيع الشّهداء.
وبعدها بسبع سنوات، ملأ نعمة هاشم البَرَّ بأربعين مقاومًا، ضاقت ببطولاتهم أرض الزّراريّة؛ فانفجرت بعمليّةٍ مزدوجة حفظت مفتاح الجنوب في أيدي الأوفياء، وأشعلت البلاد سعيرًا تلهب جنود الاحتلال. فكانت الزّراريّة وأخواتها على موعدٍ مع كربلاء الحسين، تكتب بالدِّماء ملحمة التّراب؛ فيتعانق البَرُّ الجنوبيّ مع البحر الفلسطينيّ، ويصلّي برتقال الخرايب صلاة الوحدة مع برتقال يافا، وتتشابك قصفات زيتون أرزي مع زيتونات الكرمل. فيضيء زيت المقاومة إذ تسكبه دلال، ثمّ يمسسه نعمة هاشم، ليتلاقى الجنوب مع فلسطين نورًا على نور، وتسري خيول براق الجهاد في إسراء الشَّوق إلى الأقصى، ومعراج الشَّهادة إلى السّماء.