أخبار عاجلة

إمتحانات رسمية لا شرعية: تُكرِّس تدمير التعليم الرسمي بأيدي أحزاب وأساتذة وأهالي

بوابة التربية- كتب د. *يوسف كلوت:

تمارس القوى الحكومية النيابية الإجرام بحق التعليم الرسمي عموما وتلامذته وأساتذته، وذلك بالتقاطع الإرتهاني التفصيلي مع سياسات المؤسسات المالية الدولية الغربية الهوى والهوية التي تفرض نظرياً تقليص القطاع العام عموماً والتعليمي منه خصوصاً، عملياً تهشيمه، وبتحويل موظيفيه في الواقع إلي مياومين يعملون لقاء بدلات وعطاءات ومساعدات بلا ضمانات معيشية وصحية وإجتماعية وتقاعدية، ومؤسساته إلى أبنية باطونية فارغة من الشأن العام، وبذلك تكون قد تهشَّمت الخدمات العامة كافة وفي مقدمتها خدمة التعليم الرسمي وتحولت عملياً إلى منطق السوق والقطاع الخاص، وهو ما يُصيب جموع الناس المواطنين في صميم مقومات حياتهم الأساسية، وأغلبهم مسؤول عن هذا التحوُّل الإنهياري الإرتهاني من خلال الإصرار على تأييد القوى الحكومية النيابية أو السكوت عن سياساتها وارتهاناتها اللاوطنية وعدم مواجهتها على الأرض. هذا وتزيد هذه القوى المرتهنة من وتيرة تفكيك التعليم الرسمي عموماً لصالح مؤسساتها الخاصة بغية ضمان إعادة إنتاج نفسها طائفياً وحزبياً ومالياً. وهنا تبرز نقطة التقاطع بينها وبين المؤسسات المالية الدولية المذكورة حيث تذرير الناس ومنعهم من الترقي العلمي والإجتماعي المجاني يُضعف قدرتهم على المواجهة الآنية والمستقبلية والإمساك بمصائرهم ومصائر مجتمعاتها ودولهم. ووجه الاستفادة من ذلك لكلا الطرفين يكمن في زيادة التحكم بالمجتمعات وتأبيده. فأطراف السلطة المحلية- الإقليمية (على الضفتين الآذاريتين) التي تسعى لتأمين شروط وكالة جديدة من المجتمع الدولي عبر الانصياع لشروط ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، تستفيد على خلفية “حزبية طائفية فدرالية” في إعادة إنتاج بنيتها الأيديولوجية التحكمية بمجتمعاتها الأهلية برهن ترقي أبناء العائلات والأسر بأعطياتها ومؤسساتها والولاء لها.

في سياق هذا التدمير يأتي الإصرار على إجراء الامتحانات الرسمية كيفما اتفق، ليكرِّسه من دون قرار معلن، وذلك بالتعاون التآمري مع الهيئات الإدارية الحزبية التي تسطو على قرار روابط التعليم الرسمي وتستخدمه في مواجهة أصحاب مهنة التعليم (الملاك) لإخضاعهم وإجبارهم على العمل بالسخرة او إحراجهم لإخراجهم. فكيف يمكن إجراء إمتحانات رسمية في ظل تعلُّم تلامذة التعليم الرسمي حوالي ٦٠ أو ٧٠  يوماً كحد أقصى حتى ١٥ حزيران ٢٠٢٣ مع قلق واضطرابات وتضعضع وعدم استقرار؟! هنا تبرز اللاعدالة بين تلامذة التعليم الرسمي وتلامذة التعليم الخاص في مخالفة واضحة للدستور اللبناني، وهو ما يُفقد هذه الامتحانات شرعيتها القانونية والوطنية، ويضرب سمعة الشهادة الرسمية. إن هذه الوضعية تعيدنا إلى ما يُشبه مرحلة الإنتداب الفرنسي حيث كانت الإرساليات تستحوذ على مجمل العملية التعليمية، وهو ما بقي سائداً إلى الستينات من القرن العشرين حيث بدأ إنتزاع التعليم الرسمي بكافة مراحله بشكل تدريجي عبر تحركات نقابية عارمة. والمستجد الآن هو محاولة إعادة هذا الاستحواذ، على جثة التعليم الرسمي، لكن هذه المرة بالتقاسم والتحاصص بين الإرساليات المسيحية و”الإرساليات المُسمٌّاة إسلامية”، والضحية هي عموم المواطنين الذين يتواطأون موضوعياً مع هذا المنطق ضد أنفسهم ومستقبل ابنائهم.

منذ عدة سنوات تعمل القوى الحكومية النيابية وفق خطة إرتهانية ممنهجة موجَّهة من المؤسسات المالية الدولية، لتهشيم التعليم الرسمي وصولاً إلى الوضع الإنهياري الآن، وما التمنُّع عن إقرار حقوق الأساتذة، رغم وضوحها وتواضعها، إلا قرار ضمني لإيصال الوضع إلى وصل إليه من إنهيار ودمار، وما السطو على قرار الروابط والضغوطات والترهيب والترغيب والنفاق الذي أعاد غالبية الأساتذة إلى التعليم بالسخرة، إلا لمنع انتظام العام الدراسي المقبل في التعليم الرسمي ودفع الأهالي للحذر من تسجيل أولادهم في المدارس والثانويات الرسمية والجامعة اللبنانية خوفاً من الإضرابات، وهو ما يؤدي إلى تصفيتها بأيدي الأهالي والعائدين من الأساتذة من دون تحمل القوى الحكومة النيابية وزر ذلك، فتغسل أيديها من دماء هذا الصدِّيق!

إن ما يُفاجئ في هذا السياق هو تساقط غالبية الأساتذة وبعض القوى السياسية – النقابية المعارضة من خلال البيانات الرنانة أمام هذه الهجمة التدميرية الشرسة، من دون إنتزاع الحد الأدنى الذي يسمح بالعيش الكريم للأساتذة وانتظام الثانويات لوجستياً، وما يثير الغثيان في هذا المجال هو محاولة عقلنة هذا التساقط بلغة نفاقية واهية ومكشوفة.

كنا قد اسبشرنا خيراً بعد إنتفاضة الأساتذة في ٩ كانون الثاني ٢٠٢٣ وتجديدها في ٦ آذار ومن ثم في ٣ نيسان، وبعد عدم استجابة الأساتذة للتمنيات السياسية-الرمزية لبعض قادة القوى الحكومية النيابية بالعودة تحت عنوان إنساني، وبعد تشكيل لجنة لتنسيق جهود وصمود المنتفضين،…. إلا أن الأمور في الواقع جرت خلافاً لهذا الاستبشار، فبدلاً من أن تباشر هذه اللجنة فور تشكيلها، في مواجهة تعنُّت أحزاب السلطة، سلسلة تحركات مناطقية ومركزية نوعية ضاغطة تزيد الصلابة في المواجهة، اكتفت بتحرك مركزي يتيم وبيانات عدة منها ما كان نسخة طبق الأصل عن بيانات الهيئة الإدارية الحزبية، وسمحت لمنطق التوازنات والفيتوات بأن ياخذ منها مأخذاً قاتلاً، مما أسهم بخفوت وهج النضال ودفع بأساتذة كُثر للوقوع في أحضان الإحباط ومن ثم التساقط بعد التفاف أخطبوط القوى الحكومية التسلطي النفاقي حولهم.

إن ما نتمنَّاه بعد كل ذلك هو أن يُبادر ما تبقى من هذه اللجنة إلى الترميم الجدي، والاندفاع نحو المواجهة التي لا سبيل سواها لفتح الآفاق واستعادة الآمال بإمكانية الحفاظ على التعليم الرسمي والوظيفة العامة وانتزاع حقوق الأساتذة والتلامذة.

ويبقى الأمل معقود في هذا السياق على الجماعة النقابية الصلبة على مساحة الوطن، جماعة المئات من الأساتذة الثابتين بوعي وتضحية على مواقفهم بالإنقطاع القسري عن التعليم.

محكومون بالأمل رغم مرارة الألم …

* – أستاذ في ملاك التعليم الثانوي الرسمي.

– دكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة اللبنانية.

– مندوب سابق في مجلس مندوبي رابطة الثانوي.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

طالبة لبنانية بين المعتقلين في كاليفورنيا ووالدها يعرب عن فخره

بوابة التربية: اعتقلت شرطة لوس أنجلوس عددا من طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا خرجوا احتجاجا ضد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *