أخبار عاجلة

ما أشبه المتثاقف المُتَشاوِف بالسّلطة الظّالمة

بوابة التربية_ كتب د. يونس زلزلي:

هو ذلك الّذي يتوهّم نفسه مثقّفًا ناقدًا وقلقًا ومشتبكًا وعضويًّا، وفي حقيقته، لا يعدو كونه متثاقفًا مُتَشاوِفًا، يستشرس في تنزيه ذاته وتقديس أفكاره، ويحتكر القيم، ويبيح لنفسه شتم الآخرين وتكفيرهم وتشويههم، ثمّ يستغرق في محاكمتهم ورميهم بكلّ الموبقات والنّعوت، ويجعل نفسه الفرد الكامل الأوصاف، والنبيّ المختار لإنقاذ مجتمعه وأهله. هذا المتثاقف مستبدّ وإقصائيّ، تنكّب وحده قضايا أمّته، وأخلص وحده في حملها. وكلّ من عداه ومن سواه لصوص وفاسدون وتابعون ومارقون وغنم وأقزام، وهو المارد الجبار و أسد الله الهصور وسيف الحقّ البتّار وفارس فرسان الوطن والأمّة والشّعب والسّياسة والتّربية والاجتماع والاقتصاد والمعارضة والحرّيّة والأمميّة…هو سيزيفنا الّذي يرفع صخرة العذاب عنّا وحده، وأطلسنا الّذي يحمل السّماء من فوقنا وحده. كلّ الأغيار أشرار وهو الخير المطلق والصّلاح المطلق والكفوء والنّزيه والعصاميّ والألمعيّ واللّوذعيّ والرّاجح الرّأي والنّاجح السّعي… الكلّ في طيّ لسان شكوكه واتّهامه وفي طيلسان ظنونه وأوهامه، وهو المتحذلق في التّوصيف والمتفذلك في التّصنيف. فهو عبد الله المُصطَفى والمواطن المُنتَقى بعناية الله وتوفيقه، وقد أُعطِيَ له الحقّ في جمعنا وضربنا وطرحنا وقسمتنا في فسطاطين اثنين أنا/أنت، نحن/هم، الجيّدين/السّيّئين، الصّالحين/الفاسدين، المعارضين/الموالين، المقاومين/العملاء، الأوادم/الزّعران، الأحرار/العبيد، النّوعيّين/الكمّيّين، المستبصرين/عميان القلوب… وليس من جيّد في ميزانه وقوس محكمته، إلّا ذاته المتورّمة بأدران الأنانيّة، والمستعلية والمنحازة بصفاقةٍ وصلافةٍ إلى أحكامها المسبقة والقاطعة والمبرمة، والتي تبيح لبيانها أن يقذع جَلدًا بكلّ من يتمظهر مخالفًا أو مغايرًا. لقد صدق ابن سينا حين قال: لقد ابتلينا بقومٍ يظنّون أنّ الله لم يهدِ سواهم. ما أشبه المتثاقف المُتَشاوِف بالسّلطة الظّالمة. فهما متحالفان على جملة مشتركات من القمع إلى الرّغبة في الاستئثار وشهوة المصادرة والاستحواذ واستسهال العنف قولًا وفعلًا، والتّشنيع والتّرويع بمن يعارض ويجرؤ على ممارسة حقّ الاختلاف. في زمن الشّعبويّة والمزايدات الفارغة والدّيماغوجيّة والغوغائيّة والتّلوّن والتّذبذب والانفصام وامتطاء القضايا الكبرى بخيول الثّرثرة والهذر والدّونكيشوتيّة، في زمن القوّالين والزّجّالين والأدعياء الكَتَبة والأنبياء الكَذَبة، وطواحين الهواء والغبار والخراب والضّباب والسّراب والقضايا الضّائعة بين ضجيج الزّاعمين وصمت العازمين، في زمن الاستعراض والدّعاية؛ لا صوت يعلو فوق بروباغندا الكذّابين في عصفوريّة جنونستان. ففي الكذب الغُنُم الكثير، وفي الصّدق الغُرم الكبير، الّذي لا تحتمله أكتاف الدّجّالين…هل من سبيلٍ إلى النّجاة من هذا المسرح الخشبيّ وهذه اللّغة الخشبيّة؟  هل من إدوارد سعيد جديد، أو باسل أعرج آخر، كي تهتدي ثقافتنا إلى صراطٍ مستقيم؟ لعلّ…وعسى.

 

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

الحلبي ممثلا بري وميقاتي اطلق اسم جان عبيد على متوسطة النهضة الرسمية في الميناء

بوابة التربية: رعى وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي ممثلا رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *